للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: (وهو الصّحيح) احتراز عن القول الأوّل، وهو القول بالجواز اتّفاقًا، ولكن هذا (١) الّذي ذكره من القَول الصَّحيح مخالِف لرواية المبسوط، والذّخيرة والتتمّة وفتاوى قاضي خان، فإنّ في تلك الرّوايات جعل جواز الوقف على أمّهات أولاده بالاتّفاق (٢).

وقال في المبسوط: "وإذا وقفها على أمهات أولاده في حال وقفِه، ومن يحدث منهن بعد ذلك، وسمَّى لكلِّ واحدة منهن كلّ سنة شيئًا معلومًا في حياة فلان وبعد وفاته، ما لم يتزوَّجن فهو جائز. وهذا على أصل أبي يوسف ظاهر فإنّ عنده لو شرط بعض (٣) الغَلَّة أو كلَّها لنفسِه في حياته جاز، فلأمّهات أولاده أولى. وإنَّما الإشكال على قول محمد فإنَّه لا يجوز أنْ يشترط ذلك لنفسه (٤)، واشتراطه لأمّهات أولاده في حياته بمنزلة الاشتراط لنفسه، ولكنّه جوّز ذلك استحسانًا للعُرف؛ ولأنَّه لابد (٥) مِن تصحيح هذا الشّرط لهنَّلأنَّهن يعتُقْن

بموته، فاشتراطه لهنّ كاشتراطه لسائر الأجانب، فيجوز ذلك في حياته أيضًا تبعًا لما بعد الوفاة، كما قال أبو حنيفة رحمه الله في أصل الوقف/ إذا قال: في حياتي وبعد مماتي، يتعلّق به اللُّزوم، وكذلك إن سمَّى ذلك لمدبَّريه لأنَّهم يعتقون بموته كأمّهات أولاده، بخلاف العبيد والإماء على قول محمّد؛ وأبو يوسف -رحمه الله- يجوِّز ذلك" (٦).

(لأنّ اشتراطه لهم) أي: لأنَّ (٧) اشتراط صرف غَلّة الوقف لأمّهات أولاده ومدَبّريه، فذكر بلفظ (٨) ضمير جمع الذُّكور تغليبًا للمدبّرين على أمّهات الأولاد.

(كاشتراطه لنفسه) أي: كاشتراط صرف الغلّة إلى نفسه، ثم اشتراط صرف الغلّة لنفسه في ابتداء الوَقف جائز بدون واسطة عند أبي يوسف، فكذا يجوز اشتراط صرف الغلّة إلى نفسه انتهاء بواسطة اشتراط صرف الغلّة إلى أمّهات أولاده ومدبَّريه.

وذكر في المبسوط: "ولو وقف وجعل مصرِف الغلَّة نفسه مادام حيًّاجاز عند أبي يوسف اعتبارًا للابتداء بالانتهاءلأنَّه يجوز الوقف على جهة يتوَّهم انقطاعها، وإذا انقطعت عادت الغَلَّة إليه في الانتهاء، كما يجوز ذلك في الانتهاء، فكذلك في الابتداء يجوز أنْ يقدِّم نفسه على غيره في الغَلَّة، وهذا لأنَّ معنى التقرُّب لا ينعدِم بهذا [لأنَّ معنى التَّقرُّب لا ينعدم] (٩). قال -عليه الصلاة والسلام-: "نفقة الرَّجل على نفسه صدقة" (١٠)، وقال: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" (١١).


(١) مكرر في (ب).
(٢) ينظر البناية شرح الهداية (٧/ ٤٤٨).
(٣) مكرر في (ب).
(٤) في (ب) "لنفسه ذلك" بدل "ذلك لنفسه".
(٥) ساقط من (ب).
(٦) المبسوط للسرخسي (١٢/ ٤٥ - ٤٦)
(٧) ساقط من (ب).
(٨) في (ب) "لفظ".
(٩) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).
(١٠) أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب، برقم (٢١٣٨) ٣/ ٢٧١
قال الشيخ الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، وهذا منها، وهشام بن عمار متابع. سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط (٣/ ٢٧١).
(١١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، برقم (١٤٢٧) ٢/ ١١٢.
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ"، ومسلم برقم (١٠٣٤) ٢/ ٧١٧.