للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمَّا شهادة النِّساء نظيرة شهادة الرجال من حيث معاينة سبب الحق، وإنَّما البدليَّة من حيث الصُّورة، فلهذا افترقا» (١).

قوله: «إلا أنَّ فيها شبهة من حيث البدليَّة» (٢).

فإن قلت: لو كان فيها معنى البدليَّة لما جاز الجمع بين الأصل والفرع في الشَّهادة؛ لأنَّه لا يجوز الجمع بين البدل والمبدَل؛ ولهذا لا يجوز الجمع بين الوضوء والتيمم، ولا بين غَسل الرجل ومسح الخُفِّ، وههنا يجوز الجمع بين الشَّاهد الأصلي والشَّاهد الفرعي على ما يجيء من رواية الأسرار (٣).

وكذلك ذكر في الخلاصة: ولو شهد أحد الشَّاهدين على شهادة نفسه، وشهد الآخر على شهادة رجل آخر تقبل (٤). وهكذا أيضاً في فوايد الإمام مولانا حميد [الدين] (٥) الضرير - رحمه الله - (٦).

وإنَّما لا يجوز ههنا إذا شهد أحد الشَّاهدين على شهادة نفسه، وهو أيضاً شهد مع آخر على شهادة أصل آخر، للتنافي في حقه؛ لأنَّ معنى الأصالة يقتضي مشاهدة الحق، ومعنى الفرعيَّة تقتضي عدم مشاهدة الحق، وهما يتنافيان، مع أن القياس فيه الجواز أيضاً على ما يجيء (٧).

قلت: بدليَّة شهادة الفروع بحسب المشهود به، لا بحسب شهادة الأصول، فإنَّ الحاجة إلى علمنا بالحق المشهود به، وأنَّه متى شهد به الأصل لم يبق لنا شبهةٌ في شهادة الأصل؛ لأنَّه عيان، وإنَّما بقيت الشُّبهة في الحق من حيث أنَّهم غير معصومين عن الكذب.

ولم نعتبر هذا لأنَّه لا يمكن الاحتراز عنه؛ وإذا جازت الشَّهادة على الشَّهادة تمكنت على شبهة الحق التي كانت في الأصل شبهة زائدة تخلو عنها شهادة الأصل، فكانت هذه الشبهة الزائدة معتبرة فيما تسقط بالشبهات.

ثم هذه الشبهة في الشَّهادة على الشَّهادة إنما تمكنت باعتبار بدليَّة الفروع في حقِّ المشهود به، حيث لم يعاينوه؛ [لأنَّ] (٨) الفروع بدل من الأصول.

ألا ترى أنَّ الأصول تتم بالفروع، فلو كانت البدليَّة في أصل الحجَّة لما ظهرت مع الأصل، فعلمنا أنَّ بطلان شهادة الفروع فيما يسقط بالشبهات على أصلنا لمعنى في شهادة الفروع، وهو ثبوت شهادتهم مع شبهة يمكن الاحتراز عنها؛ ولكن هم أصول في أنفسهم، لأنَّهم رجال كالأصول، وصارت شهادتهم من هذا الوجه كشهادة النِّساء فيها شبهة يمكن الاحتراز عنها بالرجال، فتبين أنَّا جعلنا الفروع كالأصول ولم يضر الجمع بينهم. إلى هذا أشار في الأسرار.


(١) المحيط البرهاني (٨/ ٣٩٢).
(٢) الهداية (٣/ ١٢٩).
(٣) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٣٩)، البناية شرح الهداية (٩/ ١٨٧)، العناية شرح الهداية (٧/ ٤٦٢).
(٤) ينظر: الجوهرة النيرة (٢/ ٢٣٥).
(٥) سقط من: «ج».
(٦) سقط من: «س».
(٧) ينظر: تبيين الحقائق (٤/ ٢٣٨).
(٨) في «س»: [لا أن].