للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: لما كان للبن الآدمي حكم المنفعة على ما ذكره شمس الأئمة (١) في تعليله [ومنفعة الآدمي تستحق بعقد الإجارة، والإجارة نوع بيع] (٢) فيجب أنه يستحق لبن الآدمي أيضاً بالبيع كمنفعة.

قلنا: للبن الآدمي حكم المنفعة من حيث جواز استئجار الظئير دون البقرة ليشرب لبنها، ولكن ليس بمنفعة حقيقة؛ لأن المنافع لا تتولد من العين، ولكنها أعراض تحدث في العين شيئاً فشيئاً، فكانت غير الآدمي، ولما كانت غيره جاز أن تستحق بالعقد كسائر الأموال، وأما اللبن فإنه عين (٣) (٤) متولد من الآدمي حقيقة، والآدمي خلق مالكاً للمال، وبين كونه مالكاً للمال وبين كونه مالاً منافاة، وإليه أشار الله تعالى في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (٥)، والأجزاء للآدمي في الحكم ما لعينه، ترى أن شعر الآدمي لاينتفع به إكراماً للآدمي، وإن غائط الآدمي يدفن، وما ينفصل من سائر الحيوانات ينتفع به.

وأما قوله: إنه مشروب طاهر، قلنا: "لا نسلم بأن اللبن مشروب على الإطلاق، وإنما هو غذاء في تربية الصبيان؛ لأجل الضرورة، فهم لا يتربون إلا بلبن الجنس عادة، كالميتة يكون غذاءً عند الضرورة، ولا يدل هذا على أنها مال (٦) متقوم، وهذا نظير النكاح؛ فإن البضع يمتلك بالعقد للحاجة إلى اقتضاء الشهوة وإقامة النسل، ولا يحصل ذلك إلا بالجنس، ثم ذاك لا يدل على أنه مال متقوم، مع أن الغذاء ما في الثدي من اللبن، وذلك لا يحتمل البيع بالاتفاق، فإما يحُلب في القوارير، فقلما يحصل به/ غذاء الصبي، وفي تجويز بيع ذلك فساد على ما بيَّنا"، إلى هذا أشار في إجارات المبسوط (٧).

(لأنه) أي: لأن الرق.

(يختص بمحل القوة التي هي ضده) أي: ضد الرق.

(وهو الحي) أي: محل القوة التي هي ضد الرق الحي،

(ولا حياة للبن)

فلا يكون محلاً للعتق ولا للرق، فإنهما صفتان يختص بهما الأحياء، فلا يجوز بيعه إهانة له.

فإن قلت: جعل البيع في مسألة لبن الآدمي وشعره دليلاً للإهانة حيث قال: إنه مكرَّم مصون عن الابتذال بالبيع، وجعله دليل الإعزاز في مسألة شعر الخنْزير؛ لأنه جعل عدم جواز بيعه إهانة له (٨)، فكان بيعه إعزازاً لا محالة، فكيف يكون الشيء الواحد دليل الإعزاز ودليل الإهانة وهو هو؟.


(١) "السرخسي -رحمه الله-" زيادة في (ب).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(٣) سقط من (ب).
(٤) "غير" زيادة في (ب).
(٥) [البقرة: ٢٩].
(٦) سقط من (ب).
(٧) المبسوط للسرخسي (١٥/ ١٢٥).
(٨) قال في الهداية: " قال: "ولا يجوز بيع شعر الخنْزير؛ لأنه نجس العين، فلا يجوز بيعه إهانةً له" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٧٧).