للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمذهب عند علمائنا وعامَّة الفقهاء أنَّ رفعها أفضل مِن تركهالأنَّه لو تركها لا يأمَن أنْ يصل إليها يدٌ خائنة فتكتُمها عَن مالكها، وإذا أخذَها هو عرَّفها حتّى يوِصلها إلى مالكها؛ ولأنَّه يلتزم الأمانةَ في رفعها والتزام أداء الأمَانة تعرُّض لنَيل الثَّواب لأنَّه يُثاب على أداء ما يلتزِمه مِن الأمانة، فإنّه يمتثل فيه الأمر. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨]، وامتثال الأمر سبب لنيل الثواب (١).

وذكر في الذخيرة أنّ اللقطة على نوعين: نَوع مِن ذلك يُفترض أخذُها، وهو ما إذا خاف ضياعَها؛ ونوعٌ مِن ذلك لا يُفترض، وهو ما إذا لم يخَف ضياعَها؛ ولكن يُباح أخذها، أجمع عليه العلماء، ثُمَّ اختلفوا فيما بينهم أنّ الأخذ أفضل أو التّرك (٢)؛ ثُمَّ ذكر ما ذكره في المبسوط.

(وكذلك إذا تصادقا) أي: المالك والملتقِط (وصار كالبيِّنة) أي: يصير كأنَّ الملتقِط أقام البيِّنة على أنّه أخذها ليوصِلها إلى مالكها.

(ولو أقرَّ) أي: الملتقِط؛ لأنّ الظَّاهر شاهد لهلأنّ مطلق فعل المسلم محمولٌ على ما يحلُّ شرعًا، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا تَظننَّ بكلمة خرَجَتْ من في أَخيك سُوءًا وأنْت تَجد لها في الخير محمَلًا" (٣).

والذي يحلُّ له شرعًا الأخذ للردِّ لا لنفسه، فيُحمل مطلق فِعل المسلم (٤) عليه، وهذا الدّليل الشرعي قائم مقام الإشهاد منه.

والثاني: أنَّ صاحبها يدّعي عليه سبب الضّمان ووجوب القيمة في ذمَّته، وهو منكِر لذلك، فالقول قولُه، كما لو ادَّعى عليه الغصْب وهما يقولان: كلُ حرٍّ عامِل لنفسه ما لم يظهر منه ما يدُلُّ على أنَّه عامِل لغيره، ودليل كونه (٥) لغيره الإشهاد (٦)، فإذا تركَه كان آخذًالنفسه باعتبار [الظاهر] (٧).


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ٢).
(٢) ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٥/ ٤٣٣).
(٣) الصحيح أنه قول عمر -رضي الله عنه-: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "لَا تَظُنَّنَ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ فِي امْرِئٍ مُسْلِمٍ سُوءًا وَأنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا".
أخرجه قوام السنة في الترغيب والترهيب (١٦٢٠)، والخطيب في المتفق والمفترق (١٤١)، والمحاملي في الأمالي (٤٦٠)، وأبو طاهر المخلص في "المخلصيات" (٤٠٣٩)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٧٩٩٢).
انظر: تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (١/ ٢٨٠ - ٢٨١).
(٤) في (ب) "فعله" بدل "فعل المسلم".
(٥) في (ب) "كونه عاملا".
(٦) في (ب) "الإشهاد ههنا".
(٧) لفظ "الظاهر" ساقط من (أ).