للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: ذاك احتمال لم يقترن به العرف والعادة لما أن هذه الأعيان لا تهجر ولا تعادى عادة لذواتها، وما قلنا: وهو هجران هذه الأعيان بسبب ملاكها مؤيّد بالعرف فكان أولى. بخلاف ما إذا كانت الإضافة إضافة نسبة كالصّديق والمرأة أي وقد انضمّت الإشارة مع الإضافة، فحينئذ يحنث بالاتّفاق إذا تكلّم صديق فلان وإن كان بعد المعاداة وزوجة فلان، وإن كان بعد المفارقة، وأمّا إذا تجرّدت الإضافة عن الإشارة فهي المسألة الأولى، فوجد الشّرط بعد زوال الصّداقة والزّوجيّة لا يحنث عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- على رواية الجامع الصّغير، وقد ذكر [فكان الحنث بالكلام بعد زوال الصّداقة والزّوجية في صورة انعقاد اليمين عند انضمام الإشارة مع الإضافة] قولهم جميعًا، ووجه ذلك أن الحرّ يهجر لعينه، وقد يهجر لغيره، فإذا جمع بين الإضافة والإشارة تعيّن الهجران لعينه، إذ لو كان الهجران لغيره لاقتصر على الإضافة فكان المقصود من الإضافة ما هو المقصود من الإشارة وهو إظهار الغيظ من جهة المشار إليه، لا من جهة المضاف إليه، وإذا اتّحد المقصود اعتبرت الإشارة دون الإضافة؛ لأنّ الإشارة أقوى، على ما قلنا بخلاف المملوك إلى هذا أشار الإمام قاضي خان -رحمه الله- (١)، فصار كما إذا أشار إليه، أي إلى الصّاحب (في قوله لا يكلّم صاحب هذا الطّيلسان) بأن قال: لا يكلّم صاحب هذه الطّيلسان هذا، فإنّه يحنث هناك إذا وجد الشّرط بلا خلاف فكذا هنا ثم (الطّيلسان هو تعريب تالشان وجمعه طيالسة والهاء في الجمع للعجمة لأنّه فارسي معرّب وهو من لباس العجم مدور اسود، ومنه قولهم في الشتم يا ابن الطّيلسان يراد أنك عجمي وفي جمع/ التّفاريق الطّيالسة لحمتها وسداها صوف) (٢) كذا في الصّحاح والمغرب.

[٤٣٥/ ب] وهذه الصّفة ليست بداعية إلى اليمين، هذا جواب عن سؤال يرد على ما ذكر قبله وهو أنّه لما قال إذ الصّفة في الحاضر لغو ورد عليه ما إذا حلف بقوله لا يأكل هذا الرّطب، فأكله بعدما صار تمرًا؛ فإنّه لا يحنث مع أنّ هذا الأصل موجود هناك، وهو أن الصّفة في الحاضر لغو، فأجاب عنه بهذا وهذا الجواب هو الفرق بين تلك الصّورة وبين قوله (لا يكلّم هذا الشّاب). وهو أنّه إذا ذكر في اليمين من الصّفة ما يصلح داعيًا إلى اليمين يتقيّد يمينه بتلك الصفة، فسواء كانت تلك الصّفة في الحاضر أو في الغائب، كما في مسألة الرّطب والبسر، فإنّ من النّاس من يخيره الرّطوبة أو الحموضة فيتقيّد لذلك يمنه برطوبة الرّطب وحموضة البسر وإن ذكرنا في الحاضر. بخلاف قوله لا يأكل لحم هذا الحمل ولا يكلّم هذا الشّاب إلى آخره وقد مرّ ذكره (٣).


(١) انظر: بدائع الصنائع (٣/ ٧٩).
(٢) انظر: المغرب (١/ ٢٩٢)، الصحاح (٣/ ٩٤٤).
(٣) انظر: ص (٢٧٩) من هذه الرسالة.