للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(أو معناهُ لم يَنْوِ أنّهُ صومٌ مِنَ الليلِ) (١)، معناهُ مَنْ ينوي في وقتِ النيةِ أنهُ صائِمٌ مِنَ الليلِ، أمّا إذا نَوى أنهُ صائِمٌ مِنْ وقتِ النيةِ لم يصح صومُهُ، أو المرادُ منه هو النهيُّ عن تقديمِ النيةِ على الليلِ (٢)، كذا وُجِدَتْ بخِطّ شَيْخِي -رحمه الله- (٣)، وتأويلُ حديثهِ أنَّ المرادَ هو النهيُّ عن تقديمِ النيةِ على الليلِ، ثُمَّ هو عامُ دَخَلَهَ الخصوصُ بالاتفاقِ (٤)، وهو صومُ النفلِ، ويخصُّ هذا الصَّوْم بالقياسِ، وهو أنّ هذا يومُ صومٍ فالإمساكُ في أولِ النهارِ يَتوقَفُ على أنّ يصيرَ صَوماً بالِنيةِ قبلَ الزَّوالِ كالنَّفلِ، (وهذا لأنَّ الصَّوْم رُكْنٌ وَاْحِدٌ) (٥)، وهو الإمساكُ مِنْ أَولِ النهارِ إلى آخرِهِ، فإذا اقترنَتْ النيةُ بِأكْثرِهِ يُرجحُ جانِبُ الوجودِ على جانبِ العَدَمِ، فيُجْعَلُ كاقترانِ النيةِ بجميعهِ، ثُمَّ اقترانُ النيةِ بحالةِ الشروعِ ليسَ بشرطٍ في بابِ الصَّوْم بدليلِ جوازِ التقديمِ فصَارِت حالةُ الشروعِ هاهنا كحالةِ البقاءِ في سائرِ العباداتِ، وإذا جازَ بنيةٍ متقدمةٍ دَفْعاً للحَرَجِ جازَ بنيةِ مُتأخرةٍ عنْ حالةِ الشروعِ بالطريقِ الأُولى؛ لأنهُ إنْ لم يقترنْ بالشروعِ هاهنا فقد اقترنَ بالأداءِ، ومعنى الحرج لا يندفعُ بجوازِ التقديمِ في جنسِ الصائمينَ؛ لأنَّ منهم مَنْ يبلغ في آخرِ الليلِ، وحَائِضٌ تطْهر، ونائِمٌ لا ينتبه إِلاَّ بعدَ طُلوعِ الفجرِ، وفي أيامِ الشكِّ لا يمُكِنُهُ أنْ ينويَ الفرضَ ليلاً. كذا في «المَبْسُوط» (٦).

فإنْ قلتَ: قياسُ النيةِ المتأخرةِ عَنْ أولِ الصُّبحِ على النيةِ المتقدمةِ عليهِ ليسَ بصحيحٍ فضلاً عن إثباتِ الأولويةِ، وذلك لأنّا نجدُ مِن جنسِ العباداتِ ما يجعلُ فيهِ النيةَ المتقدمةَ متأخرةً كما في الصَّلَاةِ، والزَّكَاةِ، فإنهُ إذا حضرتهُ] النيةُ (٧) وقتَ] الوضُوءِ (٨)، ثُمَّ] لم يعترضْ بعدَها ليسَ مِن جنسِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ شَرَعَ في الصَّلَاةِ بغيرِ نيةٍ حضرتهُ وقْتَ الشُّروعِ في الصَّلَاةِ يجوزُ (٩) وكذلك في الزَّكَاةِ، إذ نوى عندَ عَزْلِ مقدارِ الواجبِ، ولم يحضرْهُ وقتُ الأداءِ يجوزُ (١٠)، وأمّا المتأخرةُ عنها فلا، والقياسُ يقتضي هذا أيضاً، فإنَّ الموجودَ في وقتٍ يصحُّ/ أنْ يبقى وجودَهُ حُكماً بالاستصحابِ، وله نظائرٌ كما في المفقودِ، وكذا البيعُ، والشراءُ، والنكاحُ، وأمّا المعدوُم الذي سيوجدُ أنْ يجُعَلَ كأنهُ موَجودٌ حُكماً قبلَ وُجُودِهِ، ولا نظيرَ لهُ فكانَ القولُ به حينئذٍ مخُالفاً للحقيقةِ، والحُكْمِ (١١).


(١) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٨).
(٢) المَبْسُوط (٣/ ١١٢)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٤).
(٣) هو أبو الحسن الْمَرْغِينَانِي صاحب الهِدَايَة. يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ٤٥).
(٤) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١١٢)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٤)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٨٥).
(٥) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٨).
(٦) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ٣/ ١١٣.
(٧) سقطت في (ب).
(٨) هكذا في الأصل وفي (ب) (الشروع).
(٩) سقطت في (ب).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط للسرخسي (٣/ ١٠٧)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٣٤).
(١١) يُنْظَر: فتح القدير: (٢/ ٣٠٦).