للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلتُ: لا يجعلُ النيةَ المتأخرةَ متقدمةً، بل يجعلُ الإمساكاتِ التي في أولِ اليومِ مَوْقوفةً، ومُنتظَرةً إلى النيةِ إذا كانَ ذلك اليومُ متعَيناً لذلك الصَّوْم الذي نوى في أكثرِ النهارِ، كما في النفلِ بالاتفاقِ بخلافِ صومِ القضاءِ، والكفارةِ، فإنّ اليومَ ليس بمتعيَّنٍ لهُ فلا تكون الإمساكاتُ موقوفةً إلى نيتهِ، فَلما وُجِدَتْ النيةُ في مثلِ هذا الصَّوْم الذي تعيَّنَ اليومُ لهُ انقلبتْ الإمساكاتُ الموقوفةُ إلى صلاحيةِ الصَّوْم صوماً بالنيةِ كما (١) في يومِ الشكِّ، كانت الإمساكاتُ بالتلوِّمِ في أولِ يومٍ منتظرةً إلى تبينِ الأمرِ بأنهُ مِن رمضانَ أمْ لا، فإنْ تبيَن أنهُ منَ رمضانَ تنقلبُ الإمساكاتُ الموقوفةُ إلى الصَّوْم صَوماً بالنية، كما في بعضِ النهارِ عندَ التبينِ فَكذا هنا (٢)، وليسَ ببعيدٍ أنْ يْعطى للمعدُومِ الذي سَيوُجِدُ حُكْمَ الوُجودِ قبلَ وُجُودِهِ شَرعاً، ألا ترى أنهُ لم تُشَرعْ النوافلُ بعدَ انفجارِ الصُّبحِ سِوى ركعتيهِ بالحديثِ تعظيماً لِأمْرِ فرضِ الفجرِ، ويجُعلُ كأنهُ مَوجودٌ حُكماً فلمْ تشُرعْ النوافلُ سِوى ركعتين لِئلَا يلزمُ خَلَطُ النوافلِ بالمكتوبةِ التقديريةِ، وإنما لم يجُعْلْ هكذا في الصَّلَاةِ لما أنَّ لها إنْ كانت مختلفةً، فلمْ يتوقفْ فعلُ الرُّكْنِ الأولِ إلى ما يُوجَدُ في رُكْنٍ آخرَ مِنِ الشرطِ، وتكبيرةِ التحريمةِ، وإنْ لم يكنْ رُكناً لكنْ يجري مجَرى الرُّكْنِ حتى لا يصحُّ تحريمةُ فرضٍ لتحريمةِ فرضٍ آخر، فلذلك لم تكفِ النيةُ الموجودةُ في أولِ القيامِ بعدَ تكبيرةِ الافتتاحِ، وكذلكَ في الزَّكَاةِ لم يصح أيضاً لما أنهُ بعدَ الأداءِ إلى الفقيرِ تمتْ العبادةُ، والنيةُ الموجودةُ بعدَ التمامِ غيرُ كافيةٍ، وأمّا هاهنا فالصَّوْم كُلُّ مِنْ أولِ النهارِ إلى آخرِهِ ركنٌ واحدٌ، وهوَ الإمساكُ عنِ المفطراتِ الثلاثِ، والوقتُ معيارٌ، وعندَ النيةِ لم يُوجدْ تمامُ الصَّوْم، ولا حُكْمُ التمام؛ لِأنَّ الكلامَ فيما إذا لم يُوجْد أكثُر اليومِ فيجوزُ، وبخلافِ القضاءِ؛ لأنهُ توقفَ على صَوْمِ ذلك اليومِ، وهو النفلُ، أيْ: كُلّ يومٍ خارجَ رمضانَ مُتوقَفٌ على صومِ ذلك اليومِ، وهو النفلُ؛ لأنَّ النفلَ مُوجِبُ ذلكَ اليومِ، فلمْ يكنْ ذلك اليومُ متوقفاً على صومِ القضاءِ، فلذلكَ لم يصحْ صومُ القضاءِ بنيةِ في النهارِ، ويعني بصومِ اليومِ ما تعلقتْ شرعيتُهُ بمجيءِ اليومِ لا بسببٍ آخرَ مِنْ نحوِ القضاءِ، والكفارةِ (٣).


(١) سقطت في (ب).
(٢) يُنْظَر: كشف الْأَسْرَار: (١/ ٣٥٨).
(٣) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٣٠٦).