للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث: أنه لا خلاف أن التلبية جواب الدعاء، والكلام في أن الداعي من هو؟ فقيل الداعي هو الله تعالى كما قال تعالى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} (١)، وقيل: الداعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن سيدًا بنى دارًا، واتخذ فيها مأدبة، وبعث داعيًا» (٢) وأراد بالداعي نفسه.

والأظهر أن الداعي هو الخليل/ - عليه السلام - (٣) على ما روي أنه لما فرغ من بناء البيت أُمر بأن يدعو الناس إلى الحجّ، فصعد أبا قبيس، وقال: «ألا إن الله تعالى أمر ببناء بيت له، وقد بُني، ألا فحجّوه فبلّغ الله تعالى صوته الناس في أصلاب (٤) آبائهم، وأرحام أمهاتهم، فمنهم من أجاب مرة ومرتين، وأكثر من ذلك، وعلى حسب جوابهم يحجّون» (٥)، وبيان هذا في قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (٦)، فالتلبية إجابة لدعاء الخليل صلوات الله عليه) كذا في «المبسوط» (٧)، و «الفوائد الظهيرية» (٨).


(١) سورة إبراهيم من الآية (١٠).
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: (٩/ ٩٣) برقم: [٧٢٨١].
(٣) انظر: تبيين الحقائق (٢/ ١٠)، البحر العميق (٢/ ٦٥٩)، التتارخانية (٢/ ٣٣٥)، يقول علي القاري معلقًا على قول المؤلف: (هو الأظهر) بما نصه: «إن كان المرادُ الإجابةَ الروحية فلا شك أنه الأظهر، وإلا فهو -صلى الله عليه وسلم- أُمر بالنداء أيضًا لقوله تعالى:] وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ [[الحج-٢٧] على خلافٍ فيه أن المأمور به إبراهيم، أو هو -صلى الله عليه وسلم-، وقد نادى الناس بالحج عام الوداع، ثُمَّ لا مِرْية أن الداعي الحقيقي هو الله سبحانه، فالصواب أن الخطاب في (لَبَّيْكَ) لرب الأرباب، لدلالة ما بعده من لفظ (اللَّهُمَّ) و (لاشريك لك) وغيره، ودعوى الالتفات مما لا يُلتفت إليه، ولا يعرج عليه». انظر: المسلك (٧٢).
(٤) الأَصْلَاب: جمعُ صُلْب، وَهُوَ الظَّهر، وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «فِي الصُّلْب الدِّيةُ» أَيْ إنْ كُسِرَ الظَّهْرُ فَحُدِبَ الرجُل فَفِيهِ الدِّيةُ. وَقِيلَ أَرَادَ إنْ أُصِيبَ صُلْبُهُ بشيءٍ حَتَّى أُذْهِبَ مِنْهُ الجماعُ، فسُمِّي الجماعُ صُلْباً، لأنَّ المَنِيَّ يخْرُج مِنْهُ: انظر: غريب الحديث، (٤/ ٨١).
(٥) أخرجه ابن الجعد في مسنده، برواية أخرى عن علي عن الحكم عن عطاء عن طاوس عن عكرمة في قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ}
سورة ابراهيم من الآية ٣٧، قال: " هواكم إلى مكة يحجون "، (١/ ٥٤)، برقم ٢٤٦.
(٦) سورة الحج من الآية (٢٧).
(٧) انظر: المبسوط (٤/ ٤ - ٥).
(٨) هو كتاب الفوائد الظهيرية وهو فوائد على الجامع الصغير للحسام الشهيد سماها الفوائد الظهيرية في الفقه، وهولظهير الدين أبي بكر محمد بن أحمد القاضي الفقيه الأصولي، ومن كتبه أيضا الفتاوى الظهيرية، (ت ٦١٩ هـ) انظر: الجواهر المضية (٢/ ٢٠)، معجم المؤلفين (٨/ ٣٠٣).