للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: هي مشتقةٌ من قولهم: داري تلب دارك، أي: تواجهها، فمعنى قولك لبيك، أي: اتجاهي لك، وقيل: هي مشتقةٌ من قولهم: امرأةٌ لبّة، أي: محبّةٌ لزوجها، فمعناه محبتي لك يا رب.

(والثاني): أن المختار عندنا أن يلبي في دبر صلاته، وهو قول ابن عباس -رضي الله عنهما-، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول يلبي حين يستوي على راحلته، وذكر جابر - رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبي حين علا البيداء (١)، إلا أن ابن عمر ردّها (٢) فقال: " [إن بيداكم] (٣) يكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما لبّى رسول الله حين استوى به راحلته".

وعن سعيد بن جبير (٤): قلتُ لابن عباس: كيف اختلف الناس في وقت تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما حج إلا مرة واحدة؟ فقال: «لبّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دبر صلاته، فسمع ذلك قوم من أصحابه فنقلوا، وكان القوم يأتونه أرسالًا فلبّى حين استوت به راحلته فسمع تلبيته قوم، فظنوا أنها أول تلبية فنقلوا ذلك، ثُمَّ لبّى حين علا البيداء فسمعه قوم آخرون، فظنوا أنها أول تلبيته فنقلوا ذلك، وأيمُ الله ما أوجبها إلا في مصلاه» (٥).


(١) بيد: البيداء: المفازة والجميع بيد، وباد الشيء بيدا وبيودا: هلك، والبيدانة: الأتان تسكن البيداء، وبيد بمعنى غير، يقال: هو كثير المال بيد أنة بخيل.
انظر: تاج العروس/ مادة بيد، (٧/ ٤٥٤)، والمقصود بها الصحاري والفلاء.
(٢) في (ج): ردّ هذا.
(٣) أثبته من (ج).
(٤) الإمام أبو عبد الله سعيد بن جبير الأسدي الكوفي، المقرئ، الفقيه، من التابعين الأجلاء، والعُبّاد المشهورين، نُقل عنه أنه كان يختم القرآن كل ليلتين، وقام ليلة في جوف الكعبة فقرأ القرآن كله في ركعة واحدة، وكان يُقال له: جهْبذ العلماء، وكان لا يدع أحدًا يغتاب عنده، قُتل سنة (٩٥ هـ).
انظر: حلية الأولياء (٤/ ٢٧٢)؛ تذكرة الحفاظ (١/ ٧٦)؛ الأعلام (٣/ ٩٣).
(٥) أخرجه أبو داود في "سننه" باب: [فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ] (٢/ ١٥٠) برقم: [١٧٧٠] بلفظ: «عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، عَجِبْتُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فِي إِهْلَالِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- حِينَ أَوْجَبَ، فَقَالَ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ إِنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- حَجَّةً وَاحِدَةً، فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا، خَرَجَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفظْتُهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا، فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ، فَقَالُوا: إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، فَقَالُوا: إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَايْمُ الله لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ» وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (٢/ ١٥٠).