للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوجه الثاني: ما قاله بعض المشايخ: أن الدعوى وإن كانت شرطًا أيضًا في حرية (١) الأصل عند أبي حنيفة -رحمه الله-، لكنه تعذر في التناقض؛ لخفاء حال العلوق (٢)، وكل ما كان مبناه على الخفاء فالتناقض فيه عفو (٣).

وإن أراد به العتق المبتدأ وهو العتق العارض فلقبول بينة العبد وجه واحد، وهو أن التناقض فيه عفو أيضًا؛ لأن المولى يستبد بالإعتاق فيعتق العبد، ولا علم له به فيكون التناقض منه عفوًا أيضًا، كما في المختلعة والمكاتب على ما يجيء.

[و] (٤) إلى هذا أشار الإمام قاضي خان وغيره، كالمختلعة تقيم البينة على الطلقات الثلاث قبل الخلع، وإنما قيد بالثلاث؛ لأن فيما دون الثلاث يمكن أن يقيم الزوج البينة أنه (٥) قد تزوجها بعد الطلاق الذي أثبتته المرأة بينتها (قبل يوم) (٦) أو يومين، وأما في الثلاث فلا يمكن، (ثم) (٧) المرأة والمكاتب يستردان بدل الخلع والكتابة بعد إقامتهما البينة على ما ادعياه.

ثم اعلم ههنا مسألة الجامع الكبير (٨) (٩) وهي الأصل في مسائل الاستحقاق، وهي رجل اشترى من آخر ثوبًا فقطعه قميصًا وخاطه ثم حاء (١٠) مستحق واستحق القميص، وقال: هذا القميص لي، وأثبته بالبينة، فالمشتري لا يرجع بالثمن على البائع؛ لأن الاستحقاق ما ورد على ملك البائع؛ لأنه لو كان ملكه من الأصل ينقطع بالقطع والخياطة، فإن من غصب من آخر ثوبًا فقطعه قميصًا وخاطه ينقطع حق المالك عنه إلى الضمان، فكان واردًا على حدوث ملك المشتري فلا يرجع بالثمن على البائع، والأصل في هذا هو أن الاستحقاق إذا ورد على ملك البائع، أعني به الملك من الأصل يرجع المشتري بالثمن على البائع، وإذا ورد الاستحقاق على حدوث ملك المشتري، أعني به مقصورًا على ملك المشتري لا يرجع بالثمن على البائع، كذا في الجامع الكبير (١١) يصدر (١٢) الدين الحميد.


(١) في (ت): حرمة.
(٢) عَلَقَتْ الْإِبِلُ مِنْ الشَّجَرِ عَلْقًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَعُلُوقًا أَكَلَتْ مِنْهَا بِأَفْوَاهِهَا وَعَلِقَ الشَّوْكُ بِالثَّوْبِ عَلَقًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَتَعَلَّقَ بِهِ إذَا نَشِبَ بِهِ وَاسْتَمْسَكَ وَالْمَصْدَرُ الْعُلُوقُ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (٢/ ٤٢٥).
(٣) في (ت): عفوًا.
(٤) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٥) في (ت): لأنه.
(٦) في (ت): بيوم.
(٧) في (ت): في.
(٨) الجامع الكبير في الفروع للإمام المجتهد أبي عبد الله مُحَمَّد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفى: سنة سبع وثمانين ومائة قال الشيخ أكمل الدين: هو كاسمه لجلائل مسائل الفقه جامع كبير قد اشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات بحيث كاد أن يكون معجزا ولتمام لطائف الفقه. كشف الظنون (١/ ٥٦٩).
(٩) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٥/ ٥٠٨).
(١٠) في (ت): جاء.
(١١) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١٠٢).
(١٢) في (ت): لصدر.