للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا هذا في الصرف، فلم يكن هذا غرورًا في عقد [هو] (١) معاوضة فلا ينهض سببًا للضمان.

ولهذا قلنا: أن الرجل إذا سأل غيره عن أمن الطريق، فقال له: اسلك هذا الطريق فإنه (٢) آمن، فسلكه (٣) فإذا فيه لصوص سلبوا أمواله وانتهبوها لم يضمن المخبر شيئًا؛ لما أنه غرور فيما ليس بمعاوضة، وكذلك لو قال: كل هذا الطعام فإنه غير مسموم، فأكل ثم ظهر بخلافه، لا يضمن؛ لأنه تغرير في غير موضع المعاوضة، ويعزر لارتكابه المنكر، إلا أن يجعل ذلك الطعام في حلقه حينئذ جعل قاتلًا.

أو نقول: الثمن يجب بالبيع، فجاز أن يكون الأمر به ضمانًا، والدين لا يجب بعقد الرهن، فلا يكون الأمر به ضمانًا؛ لأنه حينئذ لا يكون ساعيًا في إتلاف المال ولا في إتوائه، وإنما يرجع العبد على البائع إذا قدر عليه وإن لم يأمره البائع بالضمان؛ لأنه أدى دينه وهو مضطر إلى ذلك، فصار كمعير الرهن، كذا ذكره الأئمة في شروحهم الإمام (٤) المرغيناني [رحمه الله] (٥)، وقاضي خان، والتمرتاشي -رحمهم الله-.

ثم في وضع المسألة ضرب إشكال على ما ذكر، وقول محمد -رحمه الله- في الكتاب: فإذا العبد حر محتمل يحتمل حرية الأصل، ويحتمل (الحرية بعتاق) (٦) عارض، فإن أراد (٧) به حرية الأصل فلقبول بينة العبد وجهان:

أحدهما: ما قاله عامة المشايخ (٨) أن الشهادة القائمة على حرية الأصل يقبل (٩) من غير دعوى العبد عندهم جميعًا؛ لأنها لا تخلوا عن حرمة الفرج؛ لأن الشهود في شهادتهم مفتقرون (١٠) إلى تعيين الأم، وفي ذلك تحريمها وتحريم أخواتها وبناتها؛ لأنه لو كان حر الأصل يكون فرج الأم حرامًا على مولاه، وحرمة الفرج حق الله تعالى، وفي حقوق الله تعالى (الدعوى ليست) (١١) بشرط كما في سائر عتق الأمة، فلا يكون التناقض فيه مانعًا؛ لأنه لم يوجد التناقض في الدعوى؛ لعدم اشتراط الدعوى حتى لو خلت عن تضمن تحريم الفرج، كولد المغرور وهو حر الأصل، ولا يتضمن حرمة فرج الأم تكون الدعوى فيه شرطًا، والتناقض فيه يكون مانعًا.


(١) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٢) في (ت): فإنها.
(٣) في (ت): فسلكها.
(٤) في (ت): للإمام.
(٥) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٦) في (ت): حرية لعتاق.
(٧) في (ت): أريد.
(٨) المراد أكثر علماء المذهب عند الحنفية. الفوائد البهية في تراجم الحنفية، ص ٢٤٢.
(٩) في (ت): تقبل.
(١٠) في (ت): يفترقون.
(١١) في (ت): فالدعوى فيه ليس.