للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: أما الكراهة (١) فقد قال بعض أصحابنا (٢): فإن الإحرام بمنزلة الأركان من وجه، ولهذا لو حصل قبل العتق لا يتأدّى به فرض الحجّ بعد العتق، وما تردد بين أصلين يوفر حظهما، فلشبهه بالشرائط يجوز قبل الوقت، ولشبهه بالأركان كأن يكون مكروهًا، وقيل: بل الكراهة؛ لأنه لا يأمن من مواقعة المحظور إذا طال مكثه في الإحرام، وأما الحديث فشاذ جدًّا، ولا يُعتمد على مثله، وفيه سؤال وجواب آخر قدمناهما في أوائل كتاب الحجّ.

(فصار كالتقديم على المكان).

بأن أحرم من دويرة أهله في أشهر الحجّ، ثُمَّ أتى مكان الميقات، وإذا قدم الكوفي بعمرة في أشهر الحجّ إلى آخره، اعلم: بأن جنس هذه المسألة على أربعة أوجه:

الأول: إذا أقام بمكة بعدما فرغ من العمرة، وحلق، ثُمَّ حج من عامه ذلك، وفي هذا الوجه هو متمتع لما ذكرنا من صورة المتمتع.

والوجه الثاني: إذا خرج من مكة، ولكن لم يجاوز الميقات حتى حج من عامه ذلك، وفي هذا الوجه هو متمتع أيضًا.

والثالث: إذا خرج من المواقيت، وعاد إلى أهله، ثُمَّ حج في عامه ذلك، وفي هذا الوجه هو ليس بمتمتع، والرابع: إذا خرج من الميقات فأتى البصرة (٣) فاتخذها داراً، ثُمَّ حج من عامه ذلك.

(قال في الكتاب)، أي: في «الجامع الصغير» (٤): وهو متمتع، ولم يذكر فيه خلافًا، وروى الحاكم الشهيد عن أبي عقبة سعد بن معاذ (٥) - رضي الله عنه -.


(١) الكراهة: ما كان تركُه أولى من فعله، ولم يُنه عنه بدليل قطعي.
أو هو ما طلب الشارع تركه طلبًا غير جازم.
انظر: معجم لغة الفقهاء (ص/ ٣٤٧)، المعجم الجامع للتعريفات الأصولية (ص/ ١١٤).
(٢) ذكر الكراهة في «شرح الطحاوي» و «مختصر الكرخي»، و «الكافي»، و «البدائع»، و «المجمع»، و «السّراجية»، و «الكفاية»، و «العناية»، وغيرها.
(٣) البصرة: بلدة بأرض العراق وتسمى البصرة العظمى، وسميت كذلك لغلضها وشدتها. انظر: معجم البلدان (١/ ٤٣٠).
(٤) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ١٩).
(٥) سعد بن معاذ بن النعمان بنِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ.
السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ، البَدْرِيُّ الَّذِي اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِهِ. وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُوْرَةٌ فِي الصِّحَاحِ وَفِي السِّيْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ أَوْرَدْتُ جُمْلَةً مِنْ ذَلِكَ فِي "تاريخ الإسلام" في سنة وفاته.
انظر: أسد الغابة (٢/ ٤٦١)، والإصابة " (٢/ ٢٣٠٤).