للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما ما ذكر في الكتاب قول أبي حنيفة -رحمه الله-: وعلى قولهما: لا يكون متمتعًا، وهكذا ذكر الطحاوي، وذكر الجصاص (١): أنه لا يكون متمتعًا على قول الكل، كذا في «المحيط» (٢)، أما الأول: وهو ما إذا اتخذ مكة دارًا، وأما الثاني: وهو ما إذا اتخذ البصرة دارًا.

(ونسكاه هذان ميقاتيَّان).

لأنه بعدما جاوز الميقات حلالًا إذا عاد يلزمه الإحرام من الميقات فهو والذي ألّم بأهله سواء، وأبو حنيفة -رحمه الله- استدل بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- فإن قومًا سألوه فقالوا: اعتمرنا في أشهر الحجّ، ثُمَّ زرنا القبر، ثُمَّ حججنا، فقال: "أنتم متمتعون"؛ لأنه مترفق بأداء النسكين في سفر واحد؛ لأنه ماض على سفره ما لم يعد إلى أهله فهو بمنزلة ما لو لم يخرج من الميقات حتى عاد، وحج فيكون متمتعًا، فصار

(الأصل عند أبي حنيفة -رحمه الله- أنه ما لم يصل إلى أهله فهو كمن لم [يجاوز] (٣) الميقات، وعندهما من خرج من الميقات/ فهو كمن وصل إلى أهله) كذا ذكره في «المبسوط» (٤) في موضعين، وفائدة الخلاف يظهر في حق وجوب الدم.

فقال أبو حنيفة -رحمه الله-: "دم التمتع دم قربة؛ لأنه دم شُكر، ولهذا حل له التناول منه، فيصار إلى إيجابه باعتبار هذه الشبهة احتياطًا ".

(فإن قدم بعمرة) (٥).

أي: بإحرام عمرة، فأفسدها بأن جامع امرأته قبل أفعال العمرة.

(ثُمَّ اعتمر في أشهر الحجّ) (٦).

أي: قضى العمرة التي أفسدها، وهذه المسألة في الحاصل على خمسة أوجه، وهي كوفي قدم مكة بعمرة في أشهر الحجّ، وأفسدها، ومضى فيها فطاف لها، وسعى وحلق، ثُمَّ حج من عامه ذلك لم يكن متمتعًا؛ لأن العمرة الفاسدة مضمونة بالقضاء فلا تكون موجبة للشكر، وكذا لو اعتمر على الصحة، وأفسد حجته بالجماع قبل الوقوف بعرفة، ومضى فيها لم يكن متمتعًا؛ لأنه لم يترفق بأداء النسكين على الصحة في سفر واحد، ولو أنه اعتمر في أشهر الحجّ، وأفسد عمرته، ومضى فيها، ثُمَّ خرج إلى البصرة، واتخذها دارًا، ثُمَّ اعتمر في أشهر الحجّ، وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعًا.

وقال أبو يوسف -رحمه الله-: "يكون متمتعًا" وهي بناء على المسألة الأولى، وهي على ثلاثة أوجه إن لم يخرج من الميقات حتى اعتمر عمرة صحيحة، وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعًا بالاتفاق؛ لأنه فرغ من العمرة الفاسدة، وهو بمكة فصار كواحد من أهل مكة، ولا متعة للمكي فكذا من كان ملحقًا بهم، ولو أنه فرغ من العمرة الفاسدة فعاد إلى أهله بالكوفة.


(١) في (ب): الخصاف.
(٢) انظر: المحيط البرهاني (٢/ ٤٧٠).
(٣) أثبته من (ب) وفي (أ) يخافه. ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(٤) انظر: المبسوط (٤/ ١٨٤).
(٥) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٩).
(٦) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٩).