للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ثُمَّ اعتمر في أشهر الحجّ، وحج من عامة ذلك كان متمتعًا عند أبي حنيفة) (١).

لأنه لما عاد إلى أهله انقطع سفره الأول، وصار كأن لم يكن، وإنما أنشأ السفر بعد ذلك من وطنه، وترفق بأداء النسكين في هذا السفر على الصحة فيكون متمتعًا، ولو أنه فرغ من العمرة الفاسدة، فأتى البصرة أو الطائف (٢)، واتخذها داراً، ثُمَّ اعتمر في أشهر الحجّ، وحج من عامه لا يكون متمتعًا في قول أبي حنيفة -رحمه الله-؛ لأن حكم السفر الأول قائم لا ينقطع ما لم يعد إلى وطنه، فإن اتخاذه البصرة داراً بمنزلة مكثه بمكة، ولو مكث بمكة، ثُمَّ اعتمر، وحج لا يكون متمتعًا، وهذا لأنه خرج من أن يكون أهلًا للمتعة في السفر الأول، وحكم السفر الأول قائم من وجه، فلا يكون متمتعًا بالشك، وعلى قولهما يكون متمتعًا؛ لأن المتمتع من كانت عمرته ميقاتية، وحجته مكية، وهو في السفر الثاني أتى بعمرة ميقاتية، وحجة مكية، وكان متمتعًا كما لو عاد إلى أهله بالكوفة، ثُمَّ اعتمر، وحج من عامه ذلك بخلاف ما لو اتخذ دارًا؛ لأنه صار من أهل مكة، ولا يمنع لأهل مكة كذا في «الجامع الصغير» (٣) لقاضي خان -رحمه الله-.

قوله -رحمه الله-: (وحج من عامه) (٤).

لم يكن متمتعًا عند أبي حنيفة -رحمه الله- هذا إذا خرج إلى البصرة في أشهر الحجّ، وأما إذا خرج قبل أشهر الحجّ، واعتمر، وحج من عامه ذلك فإنه يكون متمتعًا بلا خلاف كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٥)، و «الفوائد الظهيرية» (٦).

(وإذا تمتعت المرأة فضحت بشاة لم يجزها عن المتعة لأنها أتت بغير الواجب) (٧).

أي: بغير الواجب الذي وجب عليها؛ لأن الواجب عليها الدم بسبب التمتع، والأضحية غير واجبة عليها؛ لأنها مسافرة أو لأن الأضحية لو كانت واجبة عليها بسبب شرائها بنية الأضحية أو لا، فأتتها بعد استظهارها لكن الأضحية واجبة غير هذا الواجب، فإذا نوت أحدهما لم يجز عن الآخر.


(١) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٩).
(٢) الطائف: وادي وجَ، وهو بلاد ثقيف، وهي بلدة ذات مزارع وأعناب. انظر: معجم البلدان (٤/ ٩).
(٣) العناية شرح الهداية (٣/ ٢٠).
(٤) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٩).
(٥) انظر: المبسوط للشيباني (٢/ ٥٤١)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٦٩).
(٦) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٦٩)، العناية شرح الهداية (٣/ ٢٠). البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٢/ ٣٩٥).
(٧) انظر: بداية المبتدي (١/ ٤٩).