للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: النَّهي في تزكية النَّفس بسببٍ تضَّمَّنَ معنى الإعجاب بيان التفوق على الغير بذلك، وإلَّا فالتَّزكية حسنٌ في نفسها من حيث إنَّها صِدقٌ، والشيء الحسن في ذاته قد يُنهى عنه بسبب ما يَقتَرن به؛ فكان النهي راجعاً بالحقيقة إلى ذلك الشَّيء المقترن به، لا إلى الشَّيء الذي هو حسنٌ في ذاته؛ حتَّى إنَّك لو قلتَ لا تُصَلِّ إلَّا وأنت خاشعٌ.

فالنَّهي وإن كان مضافاً إلى الصَّلاة صورةً؛ لكن هو في الحقيقة راجعٌ إلى ترك الخشوع، فإنَّ الصلاة ليست بمنهيٍّ عنها؛ بل تركُ الخشوع منهيُّ عنه، وكذلك في قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (١).

وإنَّما نُهينا عن سبِّ ما يَدعون من دون الله بسبب شيء يقترن به، وهو سبٌهم اللهَ تعالى، حتَّى إنَّ تزكية النَّفس إذا لم [تتضمن] (٢) ما قلنا فهي غيرُ منهيَّة، قال الله تعالى خبراً عن يوسفَ- صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (٣).

وكذلك في الغِيبَة النهي ليس للغيبة نفسها؛ بل لشيء قبيحٍ يقترن بها وهو الإيذاء، حتَّى إنَّ الغِيبَةَ إذا كانت بحال من هو مُنهمك (٤) في غَيِّه كانت هي لتحذير الغير عنه، فحينئذٍ تجوز، قال النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: «اذكروا الفَاجِرَ بِمَا فِيهِ» (٥).


(١) سورة الأنعام: آية ١٠٨.
(٢) في «ج»: [يتضمن].
(٣) سورة يوسف: آية ٥٥.
(٤) الانهمَاك: اللَّجَاجُ في الشيء والتَّمادِي فيه. ينظر: المجموع المغيث (٣/ ٥٠٨).
(٥) الحديث بتمامه: «أَتَرعُونَ عَن ذِكرِ الفَاجِرِ، اذكُرُوهُ بِمَا فِيهِ يَحذَرَهُ النَّاسُ».
أخرجه: الطبراني في المعجم الصغير (١/ ٣٥٧)، رقم (٥٩٨)، وفي المعجم الكبير (١٩/ ٤١٨)، رقم (١٠١٠)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٣٥٤)، رقم (٢٠٩١٤)، باب الرجل من أهل الفقه يسأل، وقال: «فهذا حديث يعرف بالجارود بن يزيد النيسابوري، وأنكره عليه أهل العلم بالحديث، وقد سرقه عنه جماعة من الضعفاء فرووه عن بهز بن حكيم، ولم يصح فيه شيء»، ورواه أيضاً في شعب الإيمان (١٢/ ١٦٤)، رقم (٩٢١٩)، والخطيب البغدادي في الكفاية (١/ ٤٢)، وقال العجلوني في كشف الخفاء (٢/ ٢٠٢): «فالحديث كما قال العُقَيلي: ليس له أصل، وقال الفلاس: إنه منكر»، وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (٢/ ٥٢)، رقم (٥٨٣): «موضوع».