للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: كان ينبغي أن يؤمر بالتوجه، والتحلل بالطواف، والسعي بمنزلة فائت الحجّ، قلنا: الطواف والسعي في حق فائت الحجّ غير مقصود لعينه، ولكن المقصود هو التحلل، وهذا المقصود يحصل له بالهدي الذي بعثه ليُنحر عنه، وإن توجه ليتحلل بالعمرة فله ذلك؛ لأن فائت الحجّ يتحلل بأعمال العمرة، وله في هذا التوجه غرض صحيح (١)، وهو أن لا يلزمه قضاء العمرة.

قوله -رحمه الله-: (لزمه التوجه لزوالِ العجزِ).

عن أداء الحجّ. فيبطل حكم الهدي كالمكفر بالصوم إذا أيسر قبل إتمام الكفارة، وإن كان يدرك الهدي دون الحجّ بأن كانت المواعدة بذبحه يوم النحر يتحلل أيضًا إذا ذبح هديه؛ ليتحقق الإِحْصَار.

وهذا التقسيم لا يستقيم على قولهما في المحصر بالحجّ؛ لأن دم الإِحْصَار لما كان يتوقت بيوم النحر عندهما، فبإدراك الحجّ يكون مدركًا للهدي لا محالة؛ لأن وقت ذبح الهدي يوم النحر، ووقت الحجّ، وهو الوقوف بعرفة يوم عرفة فلذلك لا يتصور إدراك الحجّ دون الهدي عندهما، وحرمة المال كحرمة النفس، فكما كان الخوف على نفسه عذرًا له في التحلل، فكذلك الخوف على ماله، والأفضل له (٢) أن يتوجه، ومن وقف بعرفة، ثُمَّ أُحصر لا يكون محصرًا حتى لا يتحلل بالهدي، وهو محرم عن النساء حتى يطوف طواف الزيارة.

لأن معنى قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} (٣)، أي: مُنعتم عن إتمام الحجّ والعمرة، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من وقف بعرفة فقد تم حجه» (٤). فإنما مُنع هذا بعد الإتمام، فلهذا لا يكون محصرًا، ولأن حكم الإِحْصَار إنما يثبت عند خوف الفوت، وبعد الوقوف بعرفة لا يخاف الفوت فلا يكون محصراً، ولكنه يبقى محرمًا إلى أن يصل إلى البيت، فيطوف طواف الزيارة، وطواف الصدر، ويحلق أو يقصر، وعليه دم لترك الوقوف بمزدلفة، ولرمي الجمار دم، ولتأخير الطواف دم، ولتأخير الحلق دم عند أبي حنيفة -رحمه الله- فكان عليه أربعة دماء عند أبي حنيفة -رحمه الله- كذا ذكره الإسبيجابي -رحمه الله- وعندهما ليس لتأخير الحلق، والطواف شيء، وقد تقدم.

فإن قيل: أليس أنكم قلتم: إذا ازداد عليه مدة الإحرام يثبت له حكم الإِحْصَار في حقه كما في إحصار العمرة، وقد ازداد مدة الإحرام هاهنا، فلماذا لا يثبت حكم الإِحْصَار في حقه؟، قلنا: لا كذلك فإنه متمكن من التحلل بالحلق إلا في [حق] (٥) النساء، وإن كان يلزمه بعض الدماء، فلا يتحقق العذر الموجب للتحلل هنا.


(١) ساقطة من (ب، ج).
(٢) ساقطة من (ج).
(٣) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٤) سبق نخريجه (٩٦).
(٥) أثبته من (ب).