للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في المبسوط (١): «ولو شهدا على مال فقضى به القاضي فقبضه أو لم يقبضه، ثم رجع ضمن المال إذا أخذه المقضي له من المقضي عليه، وقبل الأخذ لا يضمنهما المقضي عليه شيئاً؛ لأنَّ تحقُّق النقصان عند تسليم المال إلى المقضي له، فأمَّا [ما] (٢) بقيت يده على ماله، فلا يتحقق الخسران في حقه؛ لأنَّ الضمان تعذَّر بالمثل، وهما أتلفا عليه ديناً حين ألزماه ذلك بشهادتهما، فلو ضَمَّنَهما قبل الأداء كان قد استوفى منهما عيناً بمقابلة الدين، ولا مماثلة بين العين والدين.

وفي الأعيان إن ثبت الملك للمقضي له بقضاء القاضي؛ ولكن المقضي عليه يزعم أنَّ ذلك باطلٌ؛ لأنَّ المال في يده ملكه، فلا يكون له أن يُضَمِّن الشَّاهدين شيئاً ما لم يخرج المال من يده بقضاء القاضي.

وكذلك هذا في العقار، فإن بالشَّهادة الباطلة يضمن العقار كالمنقول؛ لأنَّ فيها إتلاف الملك واليد على [المقضي] (٣) عليه، والعقار يُضمن بمثل هذا السبب، فإن إتلاف الملك يتحقق فيها، بخلاف الغصب على قول من يقول العقار لا يُضمن بالغصب».

والأصل أنَّ المعتبر في هذا [بقاء] (٤) من بقي لا رجوع من رجع، لأنَّه لو اعتبر رجوع من رجع كان الضمان واجباً على الراجع مع بقاء الحق عند وجود مبقيه، وهو الشَّاهدان بأن شهد ثلاثةٌ ورجع واحدٌ، فلا يجوز أن يجب ضمان الإتلاف على أحد مع أنَّه لم يتلف مال غيره بفعله.

فإن قيل: لو كان ثبوت الحق بشاهدين، فرجع واحدٌ ينبغي أن يضمن الراجع كل الحق؛ لأن الذي بقي فرد، فلا يصلح لإثبات شيء من الحق ابتداء، ولا يصلح لذلك لإبقاء شيء من الحق.

قلنا: هذا معارض بمثله، بأنَّ الباقي كما هو فردٌ والراجع أيضاً فرد، والإتلاف إنَّما يكون في الشَّهادة بحسب الإثبات، والراجع كما لا يصلح لإثبات كل الحق بشهادته لا يصلح أيضا لإتلاف كل الحق برجوعه.

وأمَّا قوله: فالباقي لا يثبت شيء من الحق بشهادته، فلا يبقى نصف الحق ببقائه.

قلنا: كم من شيء يصلح سبباً للبقاء بقدره، وإن كان لا يصلح للابتداء في شيء، كما في قدر النصاب، فإن بعضهم لا يصلح ابتداء لشيء من وجوب الزكاة، ويصلح [مبقيا] (٥) لبعض وجوب الزكاة بقدره.

وذكر في الذَّخيرة (٦): «يجب أن تعلم أن العبرة في باب الرجوع عن الشهادات في حق بقاء الحق، ووجوب الضمان لبقاء من بقي لا لرجوع من رجع.


(١) المبسوط (١٦/ ١٨٧).
(٢) سقط من: «ج».
(٣) في «س»: [مقضى].
(٤) في «ج»: [إبقاء].
(٥) في «ج»: [منفياً].
(٦) المحيط البرهاني (٨/ ٥٤٢).