للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وقال الشافعي - رحمه الله -: لا تصح البراءة (١)

وفي البيع بشرط البراءة عن كل عيب له قولان في أحد القولين: البيع فاسد، وفي القول الآخر: البيع صحيح، والشرط باطل، هو يقول: إن في الإبراء معنى التمليك حتى يرتد بالرد، فإن رب الدين لو أبرأ المديون عن دينه فرد المديون إبراءه ولم يقبله، لا يصح الإبراء، وكذلك لا يصح تعليقه بالخطر، والإسقاطات كالطلاق، والعتاق، يصح تعليقهما بالخطر، ولا يرتدان بالرد، ولنا أن الإبراء إسقاط، فجهالة الساقط لا تمنع صحته؛ قياساً على إعتاق عبيده، وطلاق نسائه وهو لا يدري كم هم؛ وهذا لأن الجهالة بنفسها لا تبطل التمليكات، بل لمعنى فيها، وهو تفويت التسليم الواجب بالعقد، ألا ترى أن بيع قفيزين من صبرة يجوز؛ لأنه لا يؤدي إلى المنازعة وفوت التسليم، وبيع شاة من القطيع لا يجوز للمنازعة بينهما بسبب التفاوت، ثم الدليل على أن الإبراء إسقاط لا تمليك أنه لا يصح تمليك العين بهذه اللفظة؛ ولأنه يصح الإبراء بقوله: أسقطت عنك ديوني، وكذلك المعنى؛ لأن الإبراء بين الشياه (٢) لا يفيد على الحقيقة إلا براءة ذمته عن الوجوب، وكذلك الحكم؛ لأنه يتم بلا قبول كالطلاق، والتمليك لا يتم إلا بالقبول، وأما قول: إن يرتد بالرد، فنعم؛ لما فيه من معنى التمليك حكماً، وهذا الشبه (٣) لا تؤثر في فساد ما قلناه؛ لأنا قلنا: إن محض التمليك لا يبطل بجهالة لا تفوت التسليم بها، فإن الجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة محض التمليك، كجهالة القفيز من الصبرة؛ فلأن لا تمنع صحة الإسقاط والمسقط يكون مثلاً شيئاً، ولا يحتاج فيه إلى التسليم، والجهالة لا تفضي إلى المنازعة أولى أن لا تمنع، ولأن هذا الشرط يقرر مقتضى العقد؛ لأن مقتضاه اللزوم، والعقد بهذا الشرط يلزم (٤)، سليماً كان المبيع أو معيباً (٥)؛ وذلك لأن المبيع إذا كان معيباً فالبائع عاجز عن تسليمه سليماً، وعند هذا الشرط يقدر على التسليم، والقدرة على التسليم شرط جواز العقد لا أن يكون موجباً فساد (٦) العقد. إلى هذا أشار في المبسوط (٧) والأسرار.


(١) ينظر: الحاوي الكبير (٥/ ٢٧١)، المهذب (٢/ ٥٦)، المجموع شرح المهذب (١٢/ ٣٥٥)، نهاية المحتاج (٤/ ٣٦).
(٢) سقط من (ب).
(٣) "الشبهة" في (ب).
(٤) "مقتضى العقد لأن مقتضاه اللزوم" زيادة في (ج).
(٥) "معيباً" في (ب) وفي (أ) "مبيعاً"والصحيح ما أثبته من (ب).
(٦) "فاسداً" في (ب).
(٧) ينظر: المبسوط للسرخسي (١٣/ ٩٣).