للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌوإنابة، ولهذا يملك الرجوع عنه كذا ذكره الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (١).

وفي «فتاوى أهل سمرقند»: أمر امرأتي بيدها، فقالت المرأة: أعطني كذا إن طلقتني، فقال الزّوج: لا أدري ما هذا؟ فقالت المرأة: إن جعلت أمري بيدي فقد طلقت نفسي، لا تطلق؛ لأنّها تكلمت بكلام زائد، وهو قوله: أعطني كذا إن طلقتني، وقولها: إن جعلت أمري بيدي فقد قطعت المجلس.

ومنها أيضاً: رجل قال لامرأته: أمر ثلاث تطليقاتك بيدك، فقالت له: لم لا تطلقني بلسانك، فقالت: طلقت نفسي طلقت؛ لأنّ قولها لم لا تطلّقني بلسانك ليس برد التمليك وكان لها أن تطلق نفسها بعد ذلك، وفيه نوع نظر؛ لأنّه يتبدّل به المجلس من حيث أنّه كلام زائد كذا في «المحيط» (٢) و «الذّخيرة» (٣).

والأوّل أصحّ احتراز عن الرواية الأخرى (أَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ) ففيه روايتان، والصّحيح أنّه لا يبطل خيارها؛ لأن مستجمع الرأي ببكاء مرّة ويقعد أخرى، وإن شتمت أو قرأت شيئاً قليلاً لم يبطل خيارها؛ لأنّه قد يفعل ذلك للاستخارة إلا إذا طال - كذا في «الإيضاح» - ودليل قوله وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أيضاً، هو أن من حرية إصابة أمر قد يستند للتفكر لما أن الاستناد سبب للرّاحة، كالقعود في حق القائم، ولأنّ الاتكاء نوع جلسه فلا يعتبر به ما هو الثابت للجالس.

وفي «المبسوط»: وَإِنْ خَيَّرَهَا وَهِيَ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَتَمَّتْ صَلَاتَهَا لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَنْ قَطْعِ الصَّلَاةِ قَبْلَ إتْمَامِهَا، فَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْ الِاخْتِيَارِ مَا لَمْ تَفْرُغْ، دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ بِتَرْكِ الِاخْتِيَارِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ وَالْوَتْرُ فِي هَذَا كَالْمَكْتُوبَةِ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ قَطْعِهَا قَبْلَ تَمَامٍ فَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ إذَا كَانَتْ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَأَتَمَّتْ ذَلِكَ الشَّفْعَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَكُونُ صَلَاةً مُعْتَبَرَةً، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاَللَّهِ مَا أَجَزْت رَكْعَةً قَطُّ وَإِنْ تَحَوَّلَتْ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ فَاشْتِغَالُهَا بِالشَّفْعِ الثَّانِي دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ افْتَتَحَتْ الصَّلَاةَ بَعْدَ مَا خَيَّرَهَا الزَّوْجُ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ إذَا كَانَتْ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ حِينَ خَيَّرَهَا فَأَتَمَّتْ أَرْبَعًا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَ تُؤَدَّى بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عَادَةً (٤).


(١) ينظر: الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ٤٦).
(٢) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٤٣).
(٣) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٤٣).
(٤) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢١٣).