للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي المسألة الثّانية: المرأة ليست بمالكة للطّلاق، وإنما تملك ما ملكت من الطّلاق بقدر التّفويض والأمر؛ فإذا خالفت لم يصح إيجاب الألف جملة، فلم يثبت ما في ضمنه من الثّلاث.

بخلاف الرجل إذا طلق امرأته ألفاً فإنّ الثّلاث تقع؛ لأنّ الرجل يتكلم بالطّلاق عن ملك لا عن أمر، فهو بمالكيته ما يشاء من العدد، إلا أنّه لا ينفذ إلا بقدر المحل فإن المحل شرط النّفاذ لا شرط الإيجاب، وإذا كان كذلك صح إيجاب الألف في نفسها فثبتت ما في ضمنها من الثّلاث، ويعد بقدر المحل - إلى هذا أشار صاحب «الأسرار» والإمام التمرتاشيرحمه

الله- (١).

قوله: وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، هذا شرح، لا طلاق، جواب محمّد -رحمه الله- وهو قوله: طلقت، فإن محمدًا -رحمه الله- لم يتعرض لوصف الإبانة فكان رجعياً نظراً إلى الطّلاق وهو المتيقن (٢).

قوله: بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ، متعلّق بقوله: لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ؛ إلى آخره.

ولأنّ الكتابة (٣) إذا صلحت صفة للصّريح يصير الصّريح عند ذكر الكتابة في مضمون الكلام فيصحّ جواباً؛ لأنّ الجواب تارة يكون صريحًا وتارة يكون ضمنًا، وفيما نحن فيه البينونة تصلح صفة للصّريح؛ لأنّ الصّريح يصير باينًا بانقضاء العدة، وكذلك إذا لم يكن مدخولاً بها بخلاف الاختيار؛ لأنّ الطّلاق لا يصير اختياراً قط، فلم يصلح جواباً، فكان هذا منها إعراضاً، فلا يقع شيء، وخرج الأمر من يدها، لاشتغالها بما لا يعنيها -كذا في «الفوائد الظهيرية» (٤) وإن قال لها: طلقي نفسك، فليس له أن يرجع عنه؛ لأن فيه معنى اليمين إلى قوله، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ.


(١) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٢٧).
(٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٤/ ٩٨).
(٣) اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ وَانْعِقَادِهَا بِالْكِتَابَةِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْقَبُول أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْكِتَابِ، لِيَقْتَرِنَ بِالإْيجَابِ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ، وَجَعَل الشَّافِعِيَّةُ الْكِتَابَةَ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ، فَتَنْعَقِدُ بِهَا الْعُقُودُ مَعَ النِّيَّةِ. قال الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَتَبَ طَلَاقَهَا بِالصَّرِيحِ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ. وَإِنْ كَتَبَهُ بِالْكِنَايَةِ فَهُوَ كِنَايَةٌ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ كَتَبَهُ عَازِمًا عَلَى الطَّلَاقِ بِكِتَابَتِهِ، فَيَقَعُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ كِتَابَةِ: هِيَ طَالِقٌ. يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٤/ ١٠) (٢/ ٣٦٥)، وحاشية الدسوقي (٣/ ٣)، ومغني المحتاج (٢/ ٥)، وكشاف القناع (٣/ ١٤٨)، ومواهب الجليل (٣/ ٤١٩).
(٤) يُنْظَر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٣/ ٣٥٥).