للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا كانت الوكالة نوعًا من الولاية من حيث أن فعل الوكيل ينفذ على الموكل كفعل الولي ينفذ على المولى عليه ألحقها بباب الكفاءة التي طلبها للأولياء.

قوله: ويجوز لابن العمّ أن يزوج بنت عمّه من نفسه (١)، وفي هذا الاختلاف بيننا وبين الشّافعي -رحمه الله- (٢) بدليل قوله في الكتاب إلا أنّ الشّافعي يقول في الولي ضرورة (٣).

ثم اعلم أن هذه المسألة تدلّ على صحة ما ذكرت من الخلاصة الغزالية (٤) في شرح قوله: ويجوز نكاح الصّغير والصّغيرة إلى قوله: في غير الأب والجدّ على أنّ الولاية ثابته عند الشّافعي لغير الأب والجدّ من العصبات بخلاف ما يدلّ عليه ظاهر رواية الهداية (٥) هناك حيث لم يجعل هناك غير الأب والجدّ ولياً عنده فجعل ابن العم ههنا وليًا وهو غير الأب.

والجدّ [قوله لأنّه لا] (٦) يتولاه سواه لأن في تنفيذ العقد بعبارته ضرورة لأنّ أكثر ما في الباب أن يأمر غيره من أحد الجانبين فيكون مأموره قائمًا مقامه وهو الولي من الجانبين شرعًا فيملك مباشرة العقد.

ووجه قول علمائنا قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} (٧) أي في نكاح اليتامى فهو دليل على أنّ للولي أن يزوّج وليته من نفسه وكذلك قوله تعالى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} (٨) دليل على أنّ المولى أن يزوّجها من نفسه.

وفي الحديث أن شرط علي -رضي الله عنه- أتوه بشيخ مع جارية فسأله عن قصّتها فقال: أنها ابنة عمي وأني خشيت أنّها إذا بلغت ترغب عنّي فتزوّجها فقال: خذ بيد امرأتك (٩)، والمعنى فيه أنّ العاقد فيه معبّر والواحد كما يصلح أن يكون معبّراً عن الواحد يصلح أن يكون معبّرًا عن اثنين (١٠).


(١) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ٦١).
(٢) وقوله ونكاحه: أي لنفسه بأن أراد أن يتزوج بنت عمه ولم يوجد من يساويه في الدرجة فإن الحاكم يزوجها له. يُنْظَر: حاشية إعانة الطالبين (٣/ ٣٦١).
(٣) يُنْظَر: الهداية في شرح البداية (١/ ١٩٧).
(٤) ينظر: الخلاصة الغزالية (ص ٤٣٠).
(٥) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (١/ ١٩٨).
(٦) زيادة من (ب).
(٧) سورة النساء من الآية: ٣.
(٨) سورة النساء من الآية: ١٢٧.
(٩) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (٥/ ٥٥١) برقم (٢/ ٨٨٨١)، والدولابي في الكنى والألقاب (٢/ ٥٢٧) برقم (٩٥٥)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (١٤/ ٤٢٤) برقم (٥٧٢٩)، وقال: "وفي ذلك ما قد دل على جواز نكاح الرجل من نفسه من هو وليه، كما يقوله أبو حنيفة، ومالك وأصحابهما في ذلك، وبخلاف من يقول: إن الرجل لا يكون مزوجًا من نفسه، كما لا يكون بائعًا من نفسه".
(١٠) يُنْظَر: المبسوط، للسرخسي (٥/ ١٨).