للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنّه لا يستغنى عن إضافة العقد إلى الزّوجين وبه ظهر الفرق بينه وبين البيع فإنّه يستغني عن إضافة العقد إلى غيره في البيع فكان مباشراً للعقد لا معبراً ولما باشر العقد في البيع من الجانبين أدّى إلى أحكام متضادّة/ لأنّه يكون مطالباً [ومطالباً] (١) مسلمًا ومستلمًا مخاصمًا ومخاصَمًا وفي باب النكاح لا تتعلّق الحقوق بالعاقد فلا تؤدّي إلى أحكام متضادة ولهذا قلنا ببيع الأب مال ولده من نفسه لأنّه في جانب الصّغير يكون ملزمًا إيّاه حقوق العقد بولايته عليه حتّى إذا بلغ كانت الخصومة في ذلك إليه دون الأب كذا في (الْمَبْسُوطِ) والتمانع في الحقوق دون التعبير أي الحقوق من التّسليم والتسلّم والإيفاء والاستيفاء لو رجعت إلى شخص واحد يمتنع كما في الوكيل في البيع وليست الحقوق براجعه إلى الوكيل في النكاح فلا يمتنع.

فإن قيل: الكتابة لا تنعقد بالوكيل الواحد والحقوق لا تجب للوكيل وعليه الإجماع كما في النكاح.

قلنا: روى ابن سَمَّاعَة (٢) - رحمه الله- أنّها تنعقد بالواحد ثم الجواب أنّ الوكيل في اختيار تسميته بدل الكتابة مالك يسمي ماشياً وكذلك أن بين له ملك الزيادة عليه في حق المولى والنّقصان في حق العبد.

بخلاف الرّسول فإنّه لا يملك ولما صار مالكًا في حق اختيار التسمية لم يستقم إثبات ولاية الاختيار على التّناقض.

وأمّا النكاح فيصحّ بلا تسميه فبطلان ولاية التسمية لمعنى التناقض لا يبطل ولاية النكاح إذ هذا لا يكون أكثر حالاً من ترك التسمية رأساً كذا في الأسرار.

وإذا تولى طرفيه فقوله زوجت يتضمن الشطر من أي شطري الإيجاب والقبول لأن الواحد لما قام مقام اثنين قامت عبارته الواحدة أيضاً مقام عبارتين وله مجيز أي قابل يقبل وسواء كان ذلك القائل فضولياً آخر ووكيلاً أو أصيلاً انعقد موقوفاً إنّ ركن التصرف وهو قوله زوجت وتزوّجت من أهله وهو الحرّ العاقل البالغ مضافاً إلى محلّه وهو الأنثى من بنات آدم وليست من المحرمات [قوله] (٣)، وقد يتراخى حكم العقد عن العقد كما في البيع بشرط الخيار فإن لزومه متراخ إلى سقوط الخيار هذا جواب عن قول الخصم، لأنّ العقد وضع لحكمه فبلغها فأجازت فهو باطل أي خلافاً لأبي يوسف-رحمه الله- وإن قال آخر اشهدوا أني زوّجتها منه أي بعدما قال تزوّجت فلانة فبلغها الخبر جاز أي بالإجماع وهذا عند أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد-رحمهما الله- أي مجموع ما ذكر، وقال أَبُو يُوسُف -رحمه الله-: إذا زوجت نفسها غائباً فبلغه فأجاز جاز (٤) وكذلك في جانب الرجل إذا تزوج امرأة غائبة فبلغها الخبر فأجازت جاز عنده وحاصل هذا أن الواحد لا يصلح فضوليًّا (٥) من الجانبين قبل هذا إذا تكلم الفضولي بكلام واحد بأن قال: الفضولي زوّجت فلانة من فلان وقبلت منه يتوقف بالإجماع كذا في شرح الكافي أو فضوليًا من جانب أصيلاً من جانب كالمسألة الأولى.


(١) ساقط من (ب).
(٢) ابن سماعة: هو مُحَمَّد بن سماعة بن عبدالله بن هلال التميمي، أبو عبدالله: حافظ للحديث، ثقة. حدث عَن اللَّيْث ابن سعد وَأبي يُوسُف القَاضِي وَمُحَمَّد بن الْحسن وَكتب النَّوَادِر عَن أبي يُوسُف وَمُحَمَّد وروى الْكتب والأمالي، تجاوز المئة وهو كامل القوة، ولي القضاء لهارون الرشيد، ببغدادصاحب أبي يوسف ومُحَمَّد بن الحسن. ولد سنة (١٣٠ هـ)، ومات سنة (٢٣٣ هـ).
يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (١٠/ ٦٤٦)، الجواهر المضية (٢/ ٥٨)، الأعلام (٦/ ١٥٣).
(٣) زيادة من (ب).
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية (١/ ١٩٨).
(٥) الفضولي لغة: من يشتغل بما لا يعنيه. وأما في الاصطلاح فهو: من لم يكن وليا ولا أصيلا ولا وكيلا في العقد.
وجاء في العناية: أن الفضولي بضم الفاء لا غير، والفضل: الزيادة، وغلب استعمال الجمع (فضول) بدلا من المفرد (فضل) فيما لا خير فيه. وقيل: لمن يشتغل بما لا يعنيه فضولي، وهو في اصطلاح الفقهاء: من ليس بوكيل.
وجاء في حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: وفي حاشية ابن عابدين أن الفضولي: هو من يتصرف في حق الغير بغير إذن شرعي، كالأجنبي يزوج أو يبيع. ولم ترد النسبة إلى الواحد وهو الفضل، وإن كان هو القياس، لأنه صار بالغلبة كالعلم لهذا المعنى، فصار كالأنصاري والأعرابي. الموسوعة الفقهية الكويتية (٩/ ١١٥ - ١١٦).