للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غاية ما في الباب أنه لا يؤجر بهذه الوصية ولا يستحق الثواب بها؛ ولكن استحقاق الثواب ليس بشرط لصحة الوصية، بل شرط صحة الوصية جعله الله تعالى بجهة القربة.

ألا ترى أن المسلم إذا أوصى بشيء هو قربة ولم تحضره النية صحت الوصية وإن كان لا يستحق الثواب كذا ذكره صاحب الكتاب.

وفي المرتدة الأصح أنه تصح وصاياها وذكر صاحب الكتاب في الزيادات على خلاف هذا؛ وقال: قال بعضهم (١): لا تكون بمنزلة الذمية وهو الصحيح حتى لا يصح منها وصية؛ والفرق بينها وبين الذمية أن الذمية تُقَرُّ على اعتقادها وأما المرتدة فلا تقر على اعتقادها.

وإذا دخل الحربي بأمان فأوصى لمسلم أو ذمي بماله كله جاز؛ قيل هذا إذا لم يكن ورثته معه في دار الإسلام؛ أما إذا كانت الورثة معه يتوقف على إجازتهم؛ وأشار إلى هذا في الكتاب بقوله: وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب فذلك صحيح من غير اعتبار الثلث.

لما بينا أراد به قوله لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة إلى آخره (٢).

وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: لا يجوز لأنه من أهل الحرب.

وفي المبسوط وذكر في الأمالي (٣) أن على قول أبي حنيفة وأبي يوسف: لا تصح الوصية من المسلم والذمي للمستأمن؛ لأنه وإن كان في دارنا صورة فهو من أهل دار الحرب حكمًا حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب، ووصية من هو من أهل دار الإسلام لمن هو من أهل دار الحرب باطلة؛ لأن لتباين الدارين تأثيرًا في وضع (٤) العصمة والموالاة.

ولو أوصى لحربي في دار الإسلام وقوله في دار الإسلام ظَرف لأَوصَى لا لِقوله حربي أي لو أوصى الذمي في دار الإسلام لحربي في دار الحرب لم يجز لتباين الدارين بينهما حقيقة وحكمًا كذا لفظ المبسوط (٥)؛ ولأن الذمي لو أوصى لحربي في دار الإسلام يجوز على ما ذكر قبل هذا بقوله: وكذا لو أوصى له أي (٦) للمستأمَن مسلم أو ذمي بوصية جاز.

والله أعلم بالصواب.


(١) في (أ): وقال بعضهم؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٢) لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلِهَذَا تَنْفُذُ بِإِجَازَتِهِمْ. ينظر: الهداية (٤/ ٥٣٧)، العناية (١٠/ ٤٩٥)، البناية (١٣/ ٤٩٨).
(٣) ينظر: المبسوط (٢٨/ ٩٣).
(٤) في (ب): قطع؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.
(٥) ينظر: المبسوط (٢٨/ ٩٣).
(٦) في (ب): أو؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.