وكما يكره المسافرة بها، يكره الخلوة بها؛ لأنّه لو خلا بها ربّما يقع بصره على موضع يصير به مراجعًا، وهو لا يريد الرّجعة، فيطلّقها أخرى فيؤدّي إلى تطويل العدّة، وذلك حرام، وذكر شمس الأئمة السّرخسي -رحمه الله- في «الجامع الصّغير» إنّما يكره الخلوة بها إذا لم يأمن على نفسه أن يغشاها، أو يصير مراجعًا لها، بغير إشهاد وهو مكروه؛ لِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ، فالمبطل هو الطّلاق وعمله الإبطال تراخي إلى وقت انقضاء العدّة لحاجة الزّوج إلى المراجعة، فعمل المبطل عمله من وقت الإبطال، كالبيع الذي فيه الخيار تأخّر عمل البيع في اللّزوم إلى مدّة لحاجة من له الخيار إلى الاستدراك، فلمّا لم يفسخ حتّى مضت المدّة عمل البيع عمله من وقت البيع، حتّى كانت الزّوايد الحاصلة في مدّة الخيار للمشتري.
وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ، أي: والدّليل على أن عمل المبطل من وقت وجود المبطل احتساب الإقراء الماضيّة قبل انقضاء العدّة من العدة، فلو كان عمل المبطل مقتصراً على انقضاء العدّة لما احتسبت الأقراء الماضية من العدّة، كما لا يحتسب في قوله: إذا حضت فأنت طالق، فإن تلك الحيضة غير محتسبة من العدّة؛ لأنّه شرط وقوع الطّلاق، وإذا ثبت ما قلنا وهو أن عمل المبطل غير مقتصر على انقضاء العدّة، بل من وقت وجود المبطل وهو الطّلاق، كانت المطلقة الرجعيّة بمنزلة المبتوتة تقديراً حين لم يرد الرّجعة، فكما أنّه لا يملك إخراج المبتوتة إلى السّفر، فكذلك لا يملك إخراج المطلقة الرّجعية، لوجود القاطع في إحديهما تحقيقاً، وفي الأخرى تقديراً [حتى ملك مراجعتها] من غير رضاها ومن غير مهر ومن غير ولي، وكذا بغير شهود في قول عنده وملك الرّجعة عليها من غير رضاها من أدلّ الدّلائل على أنّ ملك النكاح قائم؛ إذ لو زال لكانت الرّجعة إثباتًا للملك عليها ابتداء واحد لا يملك إثبات النكاح ابتداء على الأجنبية إلا برضاها -كذا في «مبسوط فخر الإسلام» -وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ اسْتِبْدَادَهُ بِهِ، أي: معنى النّظر للزوج يوجب استبداد الزّوج بحق الرّجعة، يعني أنّ ثبوت الرّجعة للزّوج إنّما كان نظراً وشفقة له، لاحتمال أن يندم بعد الطّلاق بفراقها على وجه لو لم يقدر على تدارك الوصلة ربّما يفضي إلى هلاكه على ما ذكرنا، وكونه نظراً للزّوج يوجب استبداد الزّوج بالرّجعة؛ إذ لو لم يكن مستبدًا به لا يتحقّق النّظر.