للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا تكون الولادة الثّالثة دليل الرّجعة، بخلاف الولادة الثّانية؛ لأنّه لا سبيل للرّجعة بعد الطّلقات الثّلاث.

وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَتَشَوَّفُ وَتَتَزَيَّنُ والتَّشَوُّفُ خَاصٌّ فِي الْوَجْهِ، وَالتَّزَيُّنُ عَامٌّ تَفَعُّلٌ مِنْ شُفْت الشَّيْءَ جَلَوْته، وَدِينَارٌ مَشُوفٌ: أَيْ مَجْلُوٌّ، وَهُوَ أَنْ تَجْلُوَ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا وَتَصْقُلَ خَدَّيْهَا. إذ النِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا، حتى أن التّوارث قائم بينهما، وكذلك جميع أحكام النكاح قائم، ألا ترى أنّه لو قال: كلّ امرأة له طالق، تدخل هذه الطّلقة فيه فتطلق.

فإن قلت: يشكل على هذا الأصل الذي ذكرت المسألة التي تليه، وهي قوله: وليس له أن يسافر بها، وكان له أن يسافر بمنكوحته، وليست له هذه الولاية في الطلقة الرّجعيّة، فانتقض ما ذكرت من قيام النكاح من كلّ وجه.

قلنا: هذه معارضة [معرض] النصّ فلا يسمع فكلّ قياس بمعارضته يتهاتر وكلّ معقول بوجوده يتصاغر، فإنّ القياس يقتضي أن تحلّ المسافرة بها، كالحلّ سائر الأحكام المخصوصة بالنكاح، إلا أن النصّ ورد بقوله: ولا تخرجوهنّ من بيوتهن.

وقال الإمام الصّفّار (١): من قاس هذه القياس فقد قضى على نفسه بالوسواس.

ولنا قوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} (٢)، الآية نزلت في الطّلاق الرجعي، دل عليه سياق الآية، وهو قوله تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (٣) أَيْ: لَعَلَّهُ يَبْدُو لَهُ فَيُرَاجِعَهَا، وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا إخْرَاجٌ مِنْ الْبَيْتِ فَيَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهَا.

فإن قيل: لما لا يجعل المسافرة بها دلالة الرّجعة حملاً لامرأتهعلى الصّلاح.

قلنا: كلامنا في رجل ينادي صريحًا بأني لا أراجعها، فبطلت الدّلالة عند الصّريح؛ ولأنّ قوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ} (٤) الآية، لما كان خطاباً بالنّهي للأزواج عن الإخراج يلزم أن لا يكون الإخراج رجعة؛ لأنّ الإخراج منهي عنه، والرّجعة مندوب إليها وهما على طرفي نقيض -كذا في «الفوائد الظهيرية» - وذكر الإمام قاضي خان -رحمه الله- وكما لا يحلّ لها الخروج إلى السّفر، كذلك لا يباح لها الخروج إلى ما دون السّفر -أيضاً- لإطلاق النصّ (٥).


(١) عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الصفار، الإِمَام أَبُو الْقَاسِم ابْن الإِمَام أبي عَليّ الصفار، النَّيْسَابُورِي، الْفَاضِل، البارع، ذُو الْفُنُون، جَاءَ نعية من أسفرائنفي رَمَضَان، سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مائَة - رَحمَه الله تَعَالَى-. ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٣٥٩).
(٢) [الطلاق: ١].
(٣) [الطلاق: ١].
(٤) [الطلاق: ١].
(٥) ينظر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق (٢/ ٤٢٠)، والجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٢٢٨).