للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله -رحمه الله-: ولا اشتباه في إطلاقه، أي: لا يلزم اشتباه النّسب في تجويز نكاح معتدته؛ لأن الماء الواقع في رحمها في النكاح الأوّل والثّاني ماءه، فلا يشتبه النّسب، والاشتباه إنّما يكون عند اختلاف المائين، وذلك إنّما يكون في مُعْتَدَّةُ الْغَيْرِ، والمراد من الإطلاق التجويز.

والمراد الطّلقة الثّالثة، أي: عند أكثر أهل التّأويل (١)؛ لأنّ الله تعالى بيّن حكم الثالثة عقيب هذه الآية، ولم يبيّن حكمها عند قوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٢)، وعند بعضهم حكم الثّالثة مستفاد من تلك الآية، أعني قوله تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٣) والزّوجية المطلقة إنّما تثبت بنكاح صحيح، خصوصاً فيما إذا أضيف النكاح إلى المستقبل كان المراد منه الإعفاف والتّحصين، وذلك إنّما يحصل بالنكاح الصّحيح، لا بالفاسد ولهذا لا يحنث إذا حلف لا تنكح فالنكاح الفاسد.

بخلاف الماضي فإنّ المراد منه مجرّد صحّة الأخبار، فيتناول الفاسد والجائزلذلك فيحنث في يمينه ما نكحت امرأة وقد نكحها فاسدًا، حملاً للكلام على الإفادة دون الإعادة، يعني لو حملنا النكاح المذكورة في قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ} (٤) على العقد، يلزم ذكر العقد مرّتين؛ لأنّه استفيد العقد مرة بقوله: زوجًا؛ لأنّ الرجل لا يسمّى زوجًا إلا بعد العقد.

أمّا لو حملنا النكاح المذكور على الوطء واستفدنا العقد من ذكر الزّوج كان كلّ واحد من ذكر الزّوج والنكاح محمولاً على فائدة جديدة، فحينئذ كان شرط وطء الزّوج الثاني في التّحليل مذكوراً في كتاب الله تعالى، ولا يحتاج إلى أن يراد على كتاب الله تعالى بالحديث المشهور، وهذا قول حسن لكنّه مخالف لما ذكره شمس الأئمة وفخر الإسلام -رحمه الله- في أصول الفقه، ويلزم -أيضاً- على هذا التّأويل ترك الأصل وهو أن يجعل المرأة واطئة، وهي ليست بواطئة، بل هي محلّ الفعل فكانت موطوءة.

قوله -رحمه الله-: روى بروايات، أي: بروايات مختلفة، فإن الرواية في أصول الفقه بلفظ الخطاب، بقوله: "إلا حتى تذوقي من عسيلته ويذوق من عسيلتك" سوى سعيد بن المسيّب (٥)، فإنّ الدخول عنده ليس بشرط، وكذلك قول بشر بن غياث المريسي (٦) بمثل قول سعيد بن المسيّب، ذكره الإمام التمرتاشي، وقوله غير معتبر؛ لأنّه مخالف للحديث المشهور فلذلك لو قضى القاضي بقوله لا ينفذ.


(١) ينظر: التفسير البسيط (٤/ ٢٢٤)، تفسير السمعاني (١/ ٢٣١)، تفسير القرطبي (٣/ ١٢٧).
(٢) [البقرة: ٢٢٩].
(٣) [البقرة: ٢٢٩].
(٤) [البقرة: ٢٣٠].
(٥) أبو محمدسعيد بن المسيببن حزن بن أبي وهب المخزوميعالم أهل المدينة، وَسَيِّدُ التَّابِعِيْنَ فِي زَمَانِهِ رَأَى عُمَرَ، وَسَمِعَ عُثْمَانَ، وَعَلِيّاً، وَزَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، روى عَنْهُ: الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِيْنَ. يُنْظَر: سير أعلام النبلاء (٥/ ١٢٤)، وطبقات الفقهاء (ص: ٥٧).
(٦) بشر بن غياث بن أبي كريمة أبو عبد الرحمن المريسي، مولى زيد بن الخطاب، له روايات عن أبي يوسف، رغب الناس عنه لاشتهاره بالكلام، وخوضه في ذلك، وجرد القول بخلق القرآن، وحكي عنه أقوال شنيعة، ومذاهب مستنكرة، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين. يُنْظَر: تاريخ بغداد (٧/ ٥٣١)، تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ١٤٣).