للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس هذا كما لو شهد أحدهما على شهادة نفسه، ثم شهد على شهادة صاحبه مع غيره؛ لأنَّ الشَّاهد على شهادة نفسه لا يصلح أن يكون شاهداً لفرع لمعنيين، أحدهما: أن عنده علم المعاينة في هذه الحادثة، فلا يستفيد شيئًا بإشهاد الآخر إياه على شهادته.

والثاني: أنَّ شهادة الفرعي في حكم البدل، ولهذا لا يصار إليه إلا عند العجز عن حضور الأصلي لموته، أو مرضه، أو غيبته، و الشَّخص الواحد في الشَّهادة لا يكون أصلاً وبدلاً في حادثة واحدة.

يوضحه أنَّ شهادة الأصل تُثبت نصف الحق، فلو جوَّزنا مع ذلك شهادته على شهادة الآخر؛ لكان فيه إثبات ثلاثة أرباع الحق بشهادة الواحد، وذلك لا يجوز.

فأمَّا إذا شهدا جميعاً على شهادة الأصليين، فلا يثبت في الحاصل بشهادة كل واحد منهما إلا نصف الحقِّ، وذلك جايز». كذا في المبسوط (١).

«ولنا قول على -رضي الله عنه-: «لا يجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين» (٢)، فوجه التمسُّك بهذا هو أنَّ الأثر دلَّ على جواز الشَّهادة على الشَّهادة بالشَّاهدين مطلقاً من غير تقييد بأن يكون بإزاء كل أصل فرعان (٣).

ومن قال به كان تقييداً للإطلاق بغير دليل، وذلك لا يجوز.

فإن قيل: ينبغي أن لا يجوز شهادة الفرعين عن أصلين؛ لأنَّ الفرعين [لما] (٤) شهدا على شهادة أصلٍٍ واحدٍ صار بمنزلة أصل واحد، ثم لو شهدا أيضاً على أصل آخر، صار بمنزلة أحد الأصلين شهد عن نفسه وعن أصل آخر.

قلنا: الفرعيان نصابٌ تامٌ في الشَّهادة، لأنَّه شهادة رجلين، أمَّا الأصل الواحد فهو فردٌ غير متعدِّد في نفسه، فلا يصح أن يقوم مقام نفسه ومقام صاحبه لا تحقيقاً ولا تقديراً.

«لما روِّينا»، أي: من قول علي -رضي الله عنه-: «لا تجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين».

«لأنَّ الفرع كالنائب عنه» (٥)، لأنَّ للقاضي أن يقضي بشهادة أصل واحدٍ وفرعين عن أصل آخر، ولو كان الفرعي نائباً حقيقة لما جاز الجمع بين الأصل والخلف، كما لا يجوز الجمع بين الوضوء والتيمم (٦). هكذا نقل من الفوائد مولانا حميد الدين الضرير- رحمه الله -.


(١) المبسوط (١٦/ ١٣٧ - ١٣٨).
(٢) أخرجه: عبد الرزاق في المصنف (٨/ ٣٣٩)، رقم (١٥٤٥٠)، قال الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٨٧): «غريب».
(٣) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٨٦) العناية شرح الهداية (٧/ ٤٦٤).
(٤) في «ج»: [إنما].
(٥) الهداية (٣/ ١٢٩).
(٦) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٨٧)، البحر الرائق (٧/ ١٢١)، تبيين الحقائق (٧/ ١٢١).