للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: لايخلو عن أحد المجازين؛ لأنّ الردّ لو كان على حقيقته وهو الردّ بالنكاح الجديد كان اسم الفعل مجازاً، ولو كان البعل على حقيقته، كان الردّ مجازاً، فلم يرجح جعل جانب الردّ مجازاً.

قلنا: لما أنّ البعل في اللغة اسم للزّوج حقيقة، والحقيقة لا يترك إلا بالدّليل، وأمّا لفظ الرد فيستعمل في الوجهين اللّذينذكرهما، ولأنّه جعل الردّ إلى الأزواج والردّ إذا كان بسبب النكاح لا يكون هو أحق منها، إلى هذا أشار في شرح التأويلات، ذلك إذا نوى الإبانة (١)، هذا عطف على حكم المسألة فيما قبله، وهو قوله: فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ أن يكون رجعيًّا أيضاً وإن نوى الإبانة؛ لأنّه قصد إثبات الإبانة في الحال فيرد عليه؛ لأنّ الشّارع أخّر حكم الإبانة إلى انقضاء العدّة؛ لأنّ الله تعالى قال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٢) فالإمساك إنّما يتحقق أن لو كان الحلّ والملك باقياً، وقوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ} (٣)، فهو أن يترك الرجعة حتّى تنقضي العدّة، فعلم بهذا أنّ البينونة معلقة به.

تَحْقِيقُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا، وَالْإِمْسَاكُ إبْقَاءُ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ، فَمَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً كَانَتْ وِلَايَةُ الرَّجْعَةِ بَاقِيَةً، وَإِذَا انْقَضَتْ مِنْ غَيْرِ رَجْعَةٍ بَانَتْ، فَصَارَتْ الْبَيْنُونَةُ مُعَلَّقَةً بِالِانْقِضَاءِ كذا في «مبسوط فخر الإسلام» (٤) (٥) فيرد عليه؛ لأنّه استعجل ما أخّره الشّرع، فيجازى بالردّ كما في قتل المورث، فجوزي بالحرمان، وكما في قصد من عليه السّهو بتسليمه قطع الصّلاة، ردّ قصده عليه، ولو نوى الطّلاق عن [٣٢٥/ ب] وثاق بفتح الواو وهو: القيد (٦)، والكسر لغة فيه لم يدين في القضاء؛ أي: لم يصدّق فاستعمال التدين بمعنى التّصديق على وجه الاستعارة؛ لأنّ حَقِيقَتُهُ دَيَّنْت الرَّجُلَ تَدْيِينًا وَكَلْتُهُ إلَى دِينِهِ فَاسْتُعْمِلَ، أي: أوكلته إلى دينه لأنّه يحتمله؛ لأنّ الطّلاق من الإطلاق، والإطلاق يستعمل في الإبل والوثاق، فيحتمل أن يكون الطّلاق عبارة عنه مجازاً؛ فلذلك دين فيما بينه وبين الله (٧)، ولو قال: أنت طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ، لم يقع عليها شيء في القضاء؛ لأنّه بين موصولاً بكلامه، مراده من قول طالق والبيان المغني صحيح موصولاً، ولو قال: عنيت بقولي طالق من عمل من الأعمال في رواية الحسن عن أبي حنيفة (٨)، هذا والأوّل سواء، وفي ظاهر الرواية (٩) لابد من هُنَاكَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَمَلِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، إلا أن يذكر موصولاً، فيقول أنت طالق من عمل كذا.


(١) البائن: التي لا رجعة لزوجها عليها، لكونها مطلقة ثلاثًا. انظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: ٣٩١).
(٢) [البقرة: ٢٢٩].
(٣) [البقرة: ٢٢٩].
(٤) مبسوط فخر الإسلام، لعلي بن محمد البزدوي. المتوفى: سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، في: أحد عشر مجلدًا. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٥٨١).
(٥) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٦).
(٦) وثاقٍ. الشَّيْءُ المُحْكم، لسان العرب (١٠/ ٣٧١).
(٧) يُنْظَر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (٣/ ٢٥١)، العناية شرح الهداية (٤/ ٦).
(٨) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٨٢)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ١٩٨)، والبناية شرح الهداية (٥/ ٣٠٧).
(٩) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٨٢)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ١٩٨)، والبناية شرح الهداية (٥/ ٣٠٧).