للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحينئذ هي امرأته فيما بينه وبين الله تعالى ويقع الطّلاق في القضاء؛ لأنّه ليس ببيان من حيث الظّاهر لما لم يكن ذلك اللفظ مستعملاً منه،] وكل ما لا يدينه القاضي فيه، فكذلك المرأة إذا سمعت منه أو شهد به عنها شاهد عدل، لا يسعها أن تدينه لأنها لا تعرف منه (١)، إلا الظّاهر كالقاضي - كذا في «المبسوط» (٢) - والحاصل أنّ الفرق بين إرادة الوثاق وبين إرادة العمل في قوله: أنت طالق في موضعين، أحدهما: في إرادتهما عند القران، والثّاني: في إرادتهما عند عدم القران.

وقال الشّافعي -رحمه الله- يقع ما نوى، وهو قول زفر (٣). (٤)

وقول أبي حنيفة -رحمه الله- الأوّل (٥)؛ لأنّ الصّريح (٦) أقوى من الكناية (٧) فإذا صحّ بنية الثلاث في قوله: أنت بائن، فلأن يصح في قوله: أنت طالق أولى، وحجّتنا في ذلك هي أنّ ابن عمر - رضي الله عنهما - لما طلّق امرأته أمره رسول الله -عليه السلام- بأن يراجعها، ولَمْ يَسْتَفْسِرْهُ إنَّك أَرَدْت الثَّلَاثَ أَمْ لَا، وَلَمْ يُحَلِّفْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ تِسْعًا فِي هَذَا اللَّفْظِ لَحَلَّفَهُ كَمَا حَلَّفَ ابنرُكَانَةَ (٨) (٩) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي لَفْظِ الْبَتَّةِ (١٠)، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، فَلَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: حُجِّي أَوْ زُورِي أَبَاك أَوْ اسْقِينِي مَاءً مِنْ خَارِجٍ، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ فَقَدْ تَجَرَّدَتْ النِّيَّةُ عَنْ اللَّفْظِ، وَبِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ. - «المبسوط» (١١) -ذِكْرُ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِطَلَاقٍ ُ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ لَا لِطَلَاقٍ هُوَ تَطْلِيقٌ، وحاصله أن ذكر النعت (١٢) يقتضي وصفاً ثانياً بالموصوف لغة، كذكر العالم هو ذكر لعلم قام بالموصوف لا بالواصف وكذلك في قولنا جالس وقائم.


(١) سقط من (أ).
(٢) المبسوط للسرخسي (٦/ ٨٢).
(٣) زفر بن الهذيل بن قيس العنبري، البصريصاحب أبي حنيفةالفَقِيْهُ، المُجْتَهِدُ، الرَّبَّانِيُّ، العَلاَّمَةُتَفَقَّهَ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، وَهُوَ أَكْبَرُ تَلَامِذَتِه، وَكَانَ مِمَّنْ جَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَكَانَ يَدْرِي الحَدِيْثَ وَيُتْقِنُهُ، وقال أبو حنفية عنه في خطبته: هذا زفر بن الهذيل إمام من أئمة المسلمين وعلم من أعلامهم في شرفه وحسبه وعلمه. ولي قضاء البصرة. ومات بها سنة ثمان وخمسين ومائة. يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ١٧٠)، وسير أعلام النبلاء (٨/ ٣٨)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٢٤٣).
(٤) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٧٦)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٠٨)، وروضة الطالبين وعمدة المفتين (٨/ ٧٦).
(٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٧٦)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٠٨).
(٦) الصَّرِيح: هُوَ مَا ظهر المُرَاد مِنْهُ لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله فِيهِ. يُنْظَر: الكليات (ص: ٥٦٢).
(٧) الْكِنَايَة: ما خَفِي اسْتِعْمَاله فِيهِ وَفِي غَيره. يُنْظَر: الكليات (ص: ٥٦٢).
(٨) ذكر هنا أنه ابن ركانة، وفي بعض كتب الأحناف ذكر أنه ركانة، كما في تبيين الحقائق: (طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدٍ يَزِيدَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا)، وذكر شك فيه، كما قال صاحب البدائع: (وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ زَيْدٍ أَوْ زَيْدَ بْنَ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ)، وبالرجوع لكتب الحديث تبين أنه ركانة بن عبد يزيد، والله أعلم بالصواب. انظر: سنن أبي داود (٢١٩٥)، والسنن الكبرى للبيهقي (١٥٠٠)، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٠٨)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ١٩١).
(٩) ركانة بْن عبد يزيد بْن هاشم بْن المطلب بْن عبد مناف القرشي، هذا ركانة هو الذي صارعه النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، فصرعه النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- مرتين أو ثلاثًا، وكان من أشد قريش، وأسلم ركانة في الفتح، وقيل: إنه أسلم عقب مصارعته، وهو الذي طلَّق امرأته سهيمة بنت عويمر بالمدينة، وتوفي ركانة في خلافة عثمان، وقيل: توفي سنة اثنتين وأربعين. انظر: أسد الغابة (٢/ ٢٩٣)، والإصابة في تمييز الصحابة (٢/ ٤١٣).
(١٠) أخرجه أبي داود في السنن (كتاب الطلاق/ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث/ ٢١٩٥)، والبيهقي في السنن الكبرى (جُمَّاعُ أَبْوَابِ مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَا يَقَعُ إِلَّا بِنِيَّةٍ/ بَابُ مَا جَاءَ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ١٥٠٠٠)، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ. انظر: نصب الراية (٣/ ٣٣٧).
(١١) المبسوط للسرخسي (٦/ ٧٦).
(١٢) النَّعْتُ: وصفُكَ الشيءَ بما فيه. انظر: العين (٢/ ٧٢).