للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبو حنيفة - رحمه الله - (١) يقول الشُّهود ضمنوا لإتلافهم المشهود عليه حكما والمتلف لا يرجع بما يضمن بسببه على غيره كالولي؛ وهذا لأنَّهم لم يكونوا متلفين ما كانوا ضامنين مع المباشر للإتلاف؛ لأنَّ مجرد السبب سقط اعتباره في مقابلة المباشرة» (٢).

«ألا ترى أنَّه لو دفع إنسانا في بئر حفرها غيره في الطريق كان الضمان على الدافع دون الحافر، وهنا لما ضمن الشُّهود عرفنا أنَّهم جناة متلفون للنفس حكماً؛ وإن كان تمام ذلك الإتلاف عند استيفاء الولي، فإن استيفاء الولي بمنزلة شرط مقدر لجنايتهما ومن ضمن [لجنايته] (٣) عن النفس لا يرجع على غيره، وأمَّا في الخطأ، فإنما يرجع لأنَّه ملك المقبوض، وهو الدية وقد أتلفه المستوفي تصرفه إلى حاجته، وهذا سبب آخر موجب للضمان عليه للشاهد وكذلك الشَّاهدان بالمال» (٤).

وقوله: «فإنَّه ينعقد السبب موجباً الملك له على أن يعمل في بدله قلنا هذا أن لو كان الأصل توهم الملك بالضمان وليس في القصاص توهم الملك بالضمان بحال، فلا ينعقد السبب [باعتبار] (٥) الخلف كيمين الغموس.

ثم لو كان القصاص ملكاً لهما لم يضمنه المتلف عليهما كما إذا شهدا على الولي بالعفو أو [قتل] (٦) من عليه القصاص إنسان آخر، فليس لمن له القصاص قبله الضمان وانعقاد السَّبب لا يكون أقوى من ثبوت الملك حقيقة، وبه فارق مسألة غصب المدبر والكتابة؛ فإنَّ هناك لو كان مالكاً حقيقة كان يضمنه المتلف عليه، فكذلك إذا جعل كالمالك حكماً باعتبار انعقاد السَّبب، فيكون له أن يرجع بالبدل لذلك. كذا في المبسوط (٧).

وإنَّما طولنا الكلام هنا لاحتياج أصول الفقه في هذه المسألة إلى هذا.

«بخلاف المكره لأنَّه يؤثر حياته»؛ أي: يرجِّح المكره حياة نفسه على حياة الذي أُكره هو على قتله ظاهراً [فكان] (٨) الإكراه بهذا الطريق أكثر إفضاءً إلى القتل من قتل الولي المشهود عليه بوجوب القصاص عليه إذ العفو مندوب فيختار العفو ظاهراً؛ لأنَّه لا ضرر فيه مع تضمن الثَّواب، فلم يلزم من شرع القَصاص في الإكراه الذي هو أكثر إفضاءً إلى القتل شرع القصاص في التي هي أقل إفضاءً إلى القتل.


(١) في «س»: [رضى الله عنه].
(٢) الكلام بتمامه ونصه في المبسوط (٢٦/ ١٨١ - ١٨٢).
(٣) في «س»: [بجنايته].
(٤) المبسوط (٢٦/ ١٨٣).
(٥) مكرر في «ج».
(٦) في «ج»: [قيل].
(٧) المبسوط (٢٦/ ١٨٣)، وقد نقل منه المصنف/ الصفحات الثلاث المتقدمة.
(٨) في «ج»: [وكان].