للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو لم يشترطْ التتابعَ لم يجزْهُ صومُ هذهِ الأيامِ، أيْ: لم يُشتَرطْ التتابعُ، ولم يعينْ السنةَ أيضًا؛ لأنهُ لو عيَّنَ السنةَ مع] عدمِ (١) اشتراطِ التتابعِ يجوزُ صومُ هذهِ الأيامِ إلى هذا أشارَ بقولهِ بخلافِ ما إذا عيَّنها، ثُمَّ في هذهِ الصُّورةِ، وهي ما إذا لم يشترطْ التتابعَ لم يعينْ السنةَ يقضي خمسَاً وثلاثين يوماً، ثلاثون يوماً لِرمضانَ وخمسةَ أيامٍ قَضَاءً عن تلكَ الأيامِ الخمسةِ المنهي عنها لِأَنَّ السنةَ مُنكِرًا اسمَ لأيامٍ معدودةِ، ويمكنُ فَصْلُ الأيامِ المعدودةِ عن رمضانَ، وعن تلكَ الأيامِ لما أنَّ صومَ رمضانَ لا يكونُ عن المنذورِ لِعَدَمِ شرطِ صِحَةِ النذرِ بهِ فإنهُ واجبٌ منْ غيرِ إيجابٍ فلا يُفيد نذرُهُ؛ لِأَنَّ الشَّروعَ مُلزمٌ كالنذرِ، أي: كنذرِ صومِ يومِ النَّحرِ أو يومِ الفِطرِ على ما قرأَ في أولِ هذا الفصلِ بأنَّ النذْرَ بهِ صحيحٌ عندَنا (٢)، والفرقِ لأبي حنيفةَ -رحمه الله-، وهو ظاهِرُ الروايةِ (٣)، أي: الفَرْقُ بينَ الصَّوْم الذي شُرِعَ في يومِ النّحرِ بأنهُ لا قضاءَ عليهِ إذا أفطرَ، وبينَ النذرِ بصومُ يوَم النَّحرِ، والصَّلَاةُ التي شُرِعتْ في الوقتِ المكَروهِ بأنَّ عليهِ القضاءَ إذا أفسدَهُما، وحاصِلُ الفَرْقِ بينَ الشُروعِ في صومِ يومِ النَّحرِ، والناذِرُ يصومُ يومَ النحرِ هو أنَّ القضاءَ إنما يبتني على سلامةِ المُوجِبِ عن شائبةِ الحُرمةِ فإنه لم يخلصْ الموجبُ عن شُبهةِ الحُرمةِ، لم ينهضْ شيئًا موُجبًا للقضاءِ لِوُجُودِ الشكِّ في الإيجابِ، ثُمَّ الصَّوْم في هذا الوقتِ لا ينفكَّ عن الحرامِ فإنْ وَجَبَ صيانتُهُ مِنْ حيثُ إنهُ قُرْبَةٌ، فلا يجبُ منْ حيثُ إنهُ معصيةٌ فلم تجبُ الصيانةُ بالقضاءِ عندَ الشَّكِّ، ووجوبُ القضاءِ عندَ الفِطْرِ يبتنى على وجوبِ الإلمامِ صيانةً لِما أدّى، وما أدّى غيرَ واجبِ الصيانةِ فلا يجبُ القضاءُ؛ وذلك لأنَّ القَدَرَ المؤدَّي صارَ فاسدًا لِمَا فيهِ من ارتكابِ النْهيِ فلا يجبُ عليهِ حِفْظُهُ، ووجوبُ الإتمامِ، والقضاءِ لحفظِ المُؤدَّى وأما النذرُ بصومِ هذا اليومِ فليسَ فيهِ شائبةُ الحُرمَةِ إذ ليسَ فيهِ ارتكابَ النهيَ بلْ فيهِ إيجابُ الفعلِ على نفسِه بتسميةِ اللهِ تعالى، واسمُ الله تعالى واجِبُ الصيانةِ، وإنّما الارتكابُ مِن وجهٍ في فعلهِ مكانَ الناذِرِ بهِ داخلًا تحتَ الخطابِ في قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (٤)، وقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «أوفِ بنذْرِكَ» (٥) فيجبُ الوفُاء بالمنذورِ على وجهٍ لا يلزُم فيهِ ارتكابُ النهيِ، وهو القضاءُ في غيرِ هذا اليومِ.


(١) زيادة في (ب).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ١٧٢).
(٣) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٣١٦).
(٤) سورة المائدة الآية (١).
(٥) رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف (١٩٣٨)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم (١٦٥٦)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.