للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلنا: معنى الكرامة في مبادرة الملائكة بغسله، ومبادرتهم ما كانت واجبة، وقد ذكرنا وجه غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إياه (١) لو لم تغسّله الملائكة. كذا في «المبسوط» (٢)، و «الأسرار» (٣)، و «جامع الصغير» للإمام المحبوبي -رحمه الله- (٤).

وكذا قبل الانقطاع في الصّحيح من الرواية ذكر في «المبسوط» (٥)، و «المحيط» (٦): وإن قتلتا والحيض، والنفاس قائم فعندهما لا يغسلان بلا إشكال، وعن أبي حنيفة -رحمه الله- روايتان، وأصحّ الروايتين عنه أن يغسلان؛ لأن الانقطاع حصل بالموت، والدّم السائل موجب للاغتسال عند الانقطاع، ووجه الأخرى أن الاغتسال ما كان واجبًا عليهما قبل الانقطاع، وذكر الإمام التمرتاشي: أن الحائض لو رأت [ما] (٧) يومًا أو يومين، ثم قتلت لم تُغسل لهما أنّ الصبي أحق بهذه الكرامة، وهي سقوط الغسل، فإن سقوط الغسل عن الشّهيد لإبقاء أثر مظلوميّته في القتل فكان إكرامًا له، والمظلومية في حق الصبي أشدّ، فكان أولى بهذه الكرامة توضيحه أن حال الصبيان، والمجانين في الطّهارة فوق حال البالغين، والعاقلين، فإذا لم يغسل البالغ إذا استشهد [البالغ] (٨)؛ لأنه يظهر بالسّيف، فالصبي والمجنون أولى مع أنّ عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «زمّلوهم بكلومهم» (٩) دليل على ما قلنا، ولأبي حنيفة -رحمه الله-: أنّ السّيف محاء للذنوب، وليس لهؤلاء ذنوب فكان القتل في حقّهم، والموت حتف أنفه سواء، فيغسل، ولأن ترك الغسل لإبقاء أثر الشهادة عليه؛ ليكون له حجة على خصمه يوم القيامة، والصبي لا يخاصم بنفسه في حقوق الدنيا، فكذا في حقوق الآخرة، وإنّما الخصم عنه في الآخرة هو الله تعالى، والله غني عن الشهود، فلا حاجة إلى إبقاء أثر الشهادة، ولأنّ القياس في الشّهيد البالغ أن يغسل لما أنّه يتنجس بالموت؛ لبقاء أثر الدّم السّائل في العروق إلا أنّا تركنا القياس فيه شرعًا بخلاف القياس، والحكم إذا ثبت بخلاف القياس يراعي فيه جميع ما ورد به النص، ومنع الشهادة نجاسة الموت في البالغ لمعنيين: لإراقة الدماء السّائلة فإنّ لها أثرًا في التطهير كما في الزَّكاة، ولتكفير الذنوب فإنّ السّيف محاء للذنوب، ومحو الذنوب تطهير، وفي الصبي لم يوجد هذا، وإن وجد الأوّل، فلا يكون النصّ الوارد في البالغ واردًا في الصبي، وأمّا تعلّقهم بعموم حديث التزميل، قلنا: ذاك محمول على البالغين لما أنّ ظاهر الحال أنّ الصبيان لم يحضروا حرب أُحد، وكان الحديث في شهداء أُحد (١٠).


(١) في (ب): "أنه".
(٢) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٠٣، ١٠٤.
(٣) ينظر: كشف الأسرار: ٢/ ٣١٤، ٣١٥.
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٤٦، ١٤٧.
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٠٤.
(٦) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٠٥.
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) [ساقط] من (ب).
(٩) سبق تخريجه (ص ٢٩٠).
(١٠) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ١٤٧.