للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(تحرَزًا عن الغدر) ِ (١) قال -عليه الصلاة والسلام-: «في العُهودِ وفاءٌ لا غدَر» (٢)، وقال أيضًا: «لِكلِّ غَاْدِرٍ لِوَاْءٌ يعُرفُ بهِ يومَ القيامةِ» (٣).

(وإنْ وجده في الصحراء) (٤)، أي: في الصحراء التي في حَيِّزِ دارِ الحربِ، ولكن ليست بمملوكةٍ لأحدٍ على ما ذكرنا؛ (لأنّهُ ليس في يدِ أحدٍ على الخصوص) (٥) فإن قِيلَ: يدُهمْ ثابتةٌ على ما وُجِدَ في الصحراءِ، ألا ترى أنَّ المستأمِنَ في دارِنا لو وجد شيئًا من ذلك في الصحراء فلا حَقَّ لهُ فيهِ، وُيؤْخذُ ذلك منه لثبوتِ يدِ المسلمين عليه، فيجب أن يكون كذلك ما وجدهُ المستأمن في دارهِ، قُلَنا: اليدُ على ما في الصحراء إنما تثبت حُكمًا، ودار الإسلامِ دارُ أحكامٍ، فَتُعتَبرُ اليدُ الحكميةُ فيها على الموجودِ فأمَّا دارُ الحربِ دارُ قهرٍ، وليست بِدارِ حُكمٍ، فإنمّا يَعتُبر فيها ثبوتُ اليدِ حقيقةً، وذلك لا يُوجد فيما وجدهُ في الصحراءِ، فيكون سالمًا له، ثُمَّ ما في دارِ الحربِ مُباحُ الأخذِ، وإنما عليه التَّحُرزُ عَن الغدرِ، وأخذِ الموجود في الصحراءِ ليس بَغَدْرٍ في شيء (٦)، كذا ذَكَرَ السؤال والجواب شمسُ الأئمةِ السَّرَخْسِي في "الجامع الصغير" (٧).

(ولا شيءَ فيهِ) (٨)، أي: لا خمسَ فيه؛ لأنّ الخمُس إنما يجبُ فيما يكون في معنى الغنيمة، وهي ما كان في يدِ أهل الحرب وقع في يد المسلمين بإيجاف الخيل والركاب، ولم يُوجد ذلك في هذا المال، فلا يجبُ الخُمس، بمنزلةِ المتلصصِ في دارِ الحرب إذا أخذ شيئًا مِن أموالهم، وأَحرَزهُ بدار الإسلام بخلافِ الموجودِ في دارِ الإسلام، فإنه كانَ في يدِ أهلِ الحرب ووقعَ في يدِ المسلمين بإيجاف الخيل والركاب، حين افتُتِحَتْ البلدة فلذلك وجبَ فيه الخمسُ.


(١) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٩).
(٢) رَوَاهُ أبو داود في سننه كتاب الجهاد، باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد (٢٧٦١). والترمذي في سننه، كتاب السير، باب الغدر (١٥٨٠)، موقوفا عن معاوية، وقال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحه (٥/ ٤٧٢): صحيح.
(٣) رَوَاهُ الْبُخَارِيُ في صحيحه، كتاب الجزية، باب إثُمَّ الغادر للبر والفاجر (٣٠١٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر (١٧٣٦). من حديث أنس -رضي الله عنه-.
(٤) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٦).
(٥) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٩).
(٦) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٣٨، ٢٣٩).
(٧) يُنْظَر: حاشية رد المحتار (٢/ ٣٤٩)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٦٦).
(٨) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٩).