للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في "المَبْسُوط" (١): لفظ الحديث: «لا زكاةَ في الحجر» (٢)، ثُمَّ قال: معلومٌ أنُه لم يُرِدْ به إذا كان للتجارة، وإنما أراد به إذا استخرجه مِنَ معدنِه، فكان هذا أصلًا في كلِّ ما هو في مَعناه (٣).

وفي الزئبق: الخُمس، الزئبق] بالباء (٤) فارسي مُعَرّبٌ، وقد أُعْرِبَ بالهَمْزِ، ومنهم مَنْ يقولهُ بِكسرِ الباء يعني: بعد الهمز فُيلْحِقُه بالزِئْبَر، وهو ما يعلو الثوبَ الجديدَ مثل ما يعلو الخز، والضئبل، وهو الدّاهيةُ، كذا في "الصِّحَاح" (٥)، أي: الزئبق الذي أُصيب في معدِنه ليقع الاحتراز عمّا ذكرنا مما يُوجد في خزائن الكُفّار، فإنّ فيه الخُمس بالاتفاق بلا خِلاف (٦) ولذلك صّرح في "المَبْسُوط" (٧) بذلك القيد، فقال: وأمّا الزئبقُ إذا أُصيب في معدنهِ ففيه الخمس في قولِ أبي حَنِيفَةَ، ومُحَمَّد -رحمهما الله- وقال أبو يُوسُف -رحمه الله- (٨): لا شيءَ فيه وحُكِىَ عن أبي يُوسُف: أنّ أبا حنيفةَ -رحمه الله- كان يقول: أولًا لا شيَء فيه، وكنتُ أقولُ فيه الخُمس، فلم أزلْ بهِ أُناظرهُ، وأقول: إنه كالرَّصاصِ حتى قال: فيهِ الخُمس ثُمَّ رأيْتُ أنّ لا شيءَ فيهِ (٩) فصار الحاصلُ: أنّ على قولِ أبي حَنِيفَةَ الآخُر، وهو قولُ أبي يُوسُف الأولِ، وهو قولُ مُحَمَّد -رحمه الله-: فيه الخمس، وعلى قولِ أبي يُوسُف الآخر، وهو قولُ أبي حَنِيفَةَ الأول لا شيءَ فيه قال: لأِنّهُ ينبعُ من عينهِ، ولا ينطبعُ بنفسه فهو كالقيرِ، والنِّفطِ، ووجه قول مَنْ أوجب الخُمس أنه يُستخَرجُ بالعلاج مِن عينه، وينطبعُ مع غيرِه، فكان كالْفِضَّة فإنها لا تنطبعُ ما لم يخُالطْها شيءُ، ثُمَّ يجبُ فيها الخُمُس فهذا مثله (١٠).

وقال الإمام التُّمُرْتَاشِي: قال أبو يُوسُف: لا يخُمَّس؛ لأنه مُعَيَّنُ بدليل أنه يَستِقي بالدِّلاءِ، فصار كالنِّفط ولهما أنه جوهُر أذابتهُ حرارةُ معدِنه، فصار كما لو أُذِيبَ بالنّارِ، وفي "الْأَسْرَارِ" (١١) في تعليل أبي يُوسُف؛ لأنه بمنزلة القير، والنفط، أي: هو من جملة المياه، ولا خمس في الماء لتفاهته (١٢).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٢١٢).
(٢) رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في سننه الكبرى (٧٣٨١ - ٤/ ١٤٦).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٢/ ٣٨٣).
(٤) سقطت في (ب).
(٥) يُنْظَر: (٤/ ١٤٨٨).
(٦) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٦٧).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط (٢/ ٣٨٥).
(٨) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٥٣).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٨٥).
(١٠) المصدر السابق.
(١١) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٦٧).
(١٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٢٣٩).