للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في "المَبْسُوط" (١): وهذا بخلافِ السَّوَائِم فإنهُ لا وظيفةَ فيها باعتبارِ الأصل، حتى إذا كانتْ لغيرِ التغلبِّي مِن الكُفارِ لا يجبُ فيها شيءٌ، فَعرْفنَا أنَّ التضعيفَ كان باعتبارِ المالِكِ، فيسقطُ بتبدُّلِ المالِك، أو تُبدُّلِ حالةِ الإسلامِ قالَ في الْكِتَابِ - أيْ في كتابِ الزَّكَاةِ من "المَبْسُوط"-: وهو قولُ مُحَمَّد فيما صَحَّ عنه، وهذا يقولُ الْكِتَاب الذي قالَ في الْكِتَاب عنه، أي: (عن مُحَمَّد اخُتُلِفَ النَسْخُ في بيانِ قولِه: أيْ اختلف نَسْخُ) (٢) "المَبْسُوط" في بيانِ قولِ مُحَمَّد أنّهُ مع أبي حَنِيفَةَ، أم مع أبي يُوسُف؟ فإنُه ذَكَرَ في مبسوط شمسِ الأئمةِ (٣) بعد ذِكْرِ التغلبيِّ: فإنْ أَسْلَمَ عليها أو باعَها مِن مُسلمٍ، فعليهِ الْعُشْرِ مُضاعفًا في قولِ أبي حنيفةَ، ومحمد، وفي قولِ أبي يُوسُف عليه عُشُر واحد، ثُمَّ قال: وذَكَر في رِوايةِ أبي سليمانَ المسألةَ بعدَ هذا، وذكَر قولِ مُحَمَّد كقولِ أبي يُوسُف في بقاءِ التضعيفِ، أي: في بقاءِ التضعيف على المُسلمِ إِلاَّ أنَّ قولَهُ، أي: قولُ مُحَمَّد؛ (لأنَّ التضعيفَ الحادثَ لا يتحققُ عندَهُ) (٤)؛ لأِنَّ التغلبي إذ اشترى أرضًا عُشريةً مِن مُسلمٍ بَقِيَتْ كذلكَ غيرَ تضعيف عنَد مُحَمَّد.

وإذا لم يَثُبتْ التضعيفُ الحادثُ عنَده لا يَتأَتى السقوطُ، فَعُلِمَ بهذا أنَّ الخلافَ بينَ أبي حَنِيفَةَ، ومُحَمَّد، وبين أبي يُوسُف في سقوطِ/ التضعيفِ في الأراضي التي كانتْ أصليةً في حُكْمِ التضعيفِ، ولوِ كانتْ الأرضُ لمسُلمٍ باعَها مِن نَصْرانيِ يُريُد به دنيا غير تغلبيِّ، وإنما قّيدَ بهذا؛ لأِنَّ لفظ النصراني، ولفظَ الذِّمِّي يتناولان، التغلبي، وغيَر التغلبي النصراني، وذَكَر بَيع المُسلم مِنَ التغلبي قَبْلَ هذا في قوله: وعن مُحَمَّد أنّ فيما اشتراهُ التغلبيُّ مِن المسلم فِي هذه المسألةِ: وهي مسألةُ ما إذا باعَ المسلمُ أرضًا عُشريةً مِن ذميّ سبعةُ أقوالٍ مِنْ سبعةٍ مِنَ العلماءِ، والأقوالُ الثلاثةُ مِن علمائِنا الثلاثةِ مذكورةٌ في الكتاب (٥).

وقال مالك (٦): يجُبْرُ الذِّمِّي على بيعهِ مِنَ المسلمينَ (٧). وعلى أَحَدِ قولي الشَّافِعِي -رحمه الله- (٨): لا يجوزُ البيعُ أصلًا، وفي قوله الآخر، وهو قولُ ابْنُ أبي لَيْلَى (٩) (١٠): يُؤخذُ منهُ الْعُشْرِ، والخراجُ، وكانَ شريكُ بنُ عبدِاللهِ (١١) (١٢) يقولُ: لا شيءَ فيها، وجعل هذا قياسَ السَّوَائِم إذا اشتراها كافر مِنْ مُسلمٍ، ولكن هذا ليسَ بِصحيحٍ، فإنَّ الأراضي الناميةَ في دِيارنا لا تخلى عن وظيفةٍ بخلافِ سائرِ الأموال، والشَّافِعِي في أحدِ القولين: لا يجوزُ البيعُ أصلًا، كما هو مذهبه في الكافرِ يشتري عَبدًا مُسلمًا، وفي قوله: الآخر بأنَّ ما كانتْ وظيفة لهذه الأرض تبقى، وباعتبارِ كُفْرِ المَلِكِ الحادثِ يجُب الخراجُ بناءً على أصلهِ في الجمع بيَنُهما وِمالكٌ يقولُ: يُجْبِرُ على بيعهِ مِنَ المسلمين؛ لِأنَّ حقِّ الفُقراءِ تعلَّقَ بها، وَمْالُ الكافرِ] يصلحُ (١٣) لذلك، فُيجَبُر على بيعها] لإبقاء (١٤) حقِّ الفقراءِ فيها، كذا في "المَبْسُوط" (١٥).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ١٢).
(٢) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٠).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ١١).
(٤) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٠).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للشيباني (٢/ ١١٦).
(٦) هو: مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد الله: إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية، مولده ووفاته في المدينة. كان صلبا في دينه، بعيدا عن الأمراء والملوك، وشي به فضربه سياطا انخلعت لها كتفه. وسأله المنصور أن يضع كتابا للناس يحملهم على العمل به، فصنف الموطأ.
يُنْظَر: تهذيب التهذيب (١٠/ ٥)، وفيات الأعيان (٤/ ١٣٥)، الأَعْلَام للزركلي (٥/ ٢٥٧).
(٧) حكى النووي في الْمَجْمُوع عن مالك أنه لا يصحح البيع (٥/ ٥٦١)، وفي الذخيرة للقرافي (٣/ ٨٧) حكى القول بعدم صحة البيع لمُحَمَّد بن الحسن.
(٨) يُنْظَر: الْحَاوِي (٥/ ٢٧٠)، وفي الْمَجْمُوع (٥/ ٥٦١) أشار إلى أن قول الشَّافِعِي ليس فيها عشر ولا خراج، وأشار إلى أن قول مالك هو عدم صحة البيع حتى لا تخلو الأرض من عشر أو خراج ثُمَّ الزم مذهب مالك بقوله: وينتقض مذهب مالك بما إذا باع الماشية لذمي ا. هـ. ولم يشر إلى أن للشافعي قولا بعدم جواز الشراء أو غيره ا. هـ، وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد الإنصاف (٣/ ٨٤)، كشاف القناع (٢/ ٢٢٠).
(٩) هو: مُحَمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، وقيل: داود بن بلال. أنصاري كوفي. فقيه من أصحاب الرأي. ولي القضاء ٣٣ سنة لبني أمية، ثُمَّ لبني العباس. له أخبار مع أبي حَنِيفَةَ وغيره. مات بالكوفة ١٤٨ هـ.
يُنْظَر: التاريخ الكبير: ١/ ١٦٢)، الجرح والتعديل (٧/ ٣٢٢)، الأَعْلَام للزركلي (٦/ ١٨٩).
(١٠) يُنْظَر: الْحَاوِي (٧/ ٤٧١).
(١١) المصدر السابق (٧/ ٤٧١)، وهو رواية عن الإمام أحمد، يُنْظَر: الإنصاف (٣/ ٨٤)، كشاف القناع (٢/ ٢٢٠).
(١٢) هو: شريك بن عبد الله بن الحارث بن أوس بن الحارث النخعي، كنيته: أبو عبد الله كان مولده بخراسان. قال منصور بن أبي مزاحم: سمعت شريكًا يقول: ولدت ببخارى مقتل قتيبة بن مسلم سنة خمس وتسعين، ويروى شريك عن أبي إسحاق وسلمة بن كهيل روى عنه ابن المبارك وأهل العراق وولى القضاء بواسط سنة خمسين ومائة ثُمَّ ولي الكوفة بعد ذلك ومات بالكوفة سنة سبع أو ثمان وسبعين ومائة وكان في آخر أمره يخطئ فيما يروى تغير عليه حفظه فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بواسط ليس فيه تخليط مثل يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق وسماع المتأخرين عنه بالكوفة فيه أوهام كثيرة.
يُنْظَر: ثقات ابن حبان (٦/ ٤٤٤)، التاريخ الكبير (٤/ ٢٣٧)، الجرح والتعديل (٤/ ٣٦٥).
(١٣) في (ب): (لايصلح).
(١٤) في (ب): (لإيفاء).
(١٥) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٩، ١٠).