للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوما يقوم مقامها وهو التقليد خلافًا للشافعي، أي: في أحد قولي (١)

[الشافعي] (٢) ينعقد الإحرام بمجرد النية، وجَعلَ الإحرام قياس الصوم من حيث إنه التزم الكف عن ارتكاب المحظورات (٣)، ومثل هذه العبادة يحصل بالشروع فيها بمجرد النية كالصوم، وعلى قولنا: الإحرام هذا (٤) قياس الصلاة، لأن الإحرام لأداء الحجّ والعمرة، وذلك يشتمل على أركان مختلفة كالصلاة، وكما لا يصير شارعًا بالنية بدون التحريمة، فكذلك في الإحرام بخلاف الصوم، فإنه ليس للصوم إلا ركن واحد، وهو الإمساك، وذلك معلوم بزمانه، فكان الوقت للصوم معيارًا، ولهذا لا يسع في كل زمان إلا صوم واحد فبعد وجود النية ودخول وقت الأداء لا حاجة إلى مباشرة فعل الأداء، فلهذا صار شارعًا فيه بمجرد النية، وهذا الزمان ليس بمعيار للحج، ولهذا صح أداء [الحجّ] (٥) النفل في الزمان الذي يؤدى فيه الفرض، وإنما أداؤه بأفعاله، وبمجرد النية لا يصير مباشراً للفعل، فلا يصير شارعًا في الأداء

أيضًا، ولكن لو قلّد البدنة (٦) بنية الإحرام، أو/ أمر فقلدت له، وهو ينوي الإحرام صار محرمًا عندنا، وقال الشافعي (٧): "لا يصير محرمًا إلا بالتلبية" على القول الذي يقول: لا ينعقد الإحرام بمجرد النية، وحجته في ذلك: أن الفعل لا يقوم مقام الذكر في التحرم للعبادة كما في الصلاة لما كان الشروع فيها بالتكبير لا يقوم الفعل فيه مقامه، حتى لو ركع وسجد بنية الشروع في الصلاة لا يصير شارعًا، وحجتنا في ذلك قوله تعالى:

{وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ (٨) (٩)، إلى أن قال تعالى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (١٠) ولم يتقدم ذكر، الإحرام ففي قوله {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (١١) إشارة إلى أن الإحرام يحصل بتقليد الهدي، وذلك مروي عن الصحابة عمر، وابن مسعود، وابن عباس -رضي الله عنهم- حتى روي أنَّ قيس بن سعد (١٢) كان يغسل رأسه فبعدما غسل أحد شقي رأسه نظر، فإذا هداياه قد قُلِّدَت فقامَ، وتركَ غسل الشق الآخر، فقال: أما أن من قُلِّدَت هذه الهدايا له فقد أحرم، والمعنى فيه: أن الحجّ يشبه الصلاة من وجه، والصوم من وجه فمن حيث إنه ليس في أثنائه ذكر مفروض كان مشبهًا بالصوم.


(١) أثبته من (ب) وفي (أ) قوله. ولعل الصواب ما أثبته لموافقته سياق الكلام.
(٢) انظر: "المجموع" (٧/ ٢٠٢)، "مغني المحتاج" (٢/ ٢٣٣). وفي: (ب) الشافعي.
(٣) في (ب)، (ج) محظور دينه.
(٤) في: (أ) و (ب) الحج ومثل هذه العبادة يحصل بالشرع
(٥) أثبته منم (ب).
(٦) البدنة: أي أعد الجسم بنية الإحرام.
انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، مادة بدن، (١/ ٦٧).
(٧) انظر: النووي في "المجموع" (٧/ ٢٢٤)، "مغني المحتاج" (٢/ ٢٣٣).
(٨) القلائد: من (ق ل د): الْقِلَادَةُ مَعْرُوفَةٌ وَالْجَمْعُ قَلَائِدُ وَقَلَّدْتُ الْمَرْأَةَ تَقْلِيدًا جَعَلْتُ الْقِلَادَةَ فِي عُنُقِهَا وَمِنْهُ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ وَهُوَ أَنْ يُعَلَّقَ بِعُنُقِ الْبَعِيرِ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَكُفَّ النَّاسُ عَنْهُ.
انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مادة قلد، (٢/ ٥١٢).
(٩) سورة المائدة من الآية (٢).
(١٠) سورة المائدة من الآية (٢).
(١١) سورة المائدة من الآية (٢).
(١٢) قيس بن سعد بن عباده بن دليم بن بني ساعدة الأنصاري الخزرجي صحابي جليل. وابن صحابي شهد المشاهد مع رسول الله ص كان سخيا كريما داهية صاحب رأى ومكيدة في الحرب. شهد صفين وبقي في الكوفة حتى مقتل علي ثُمَّ كان مع الحسن. ولما صالح معاوية رجع قيس إلى المدينة وبقي فيها حتى مات في آخر خلافة معاوية
انظر: (طبقات ابن سعد: ٦/ ٥٢، والإصابة: ٥/ ٤٧٣).