للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ثُمَّ لا يرجع المحلوق رأسه على الحالق).

وقال بعض العلماء: يرجع [به] (١)؛ لأنه هو الذي أوقعه في هذه العهدة، وألزمه هذا الغرم، ولكنّا نقول: إنما لزمه ذلك بمعنى الراحة، والزينة، وهو حاصل له فلا يرجع به على غيره كما لا يرجع المغرور بالعقر؛ لأنه بمقابلة اللذة الحاصل له بالوطء، وكما إذا أُكره على أكل مال الغير فإن ثُمَّة لا يرجع بضمان ما أكل على المكره، وهذا لأنه لا يجوز أن يجمع بين المضمون، والضمان؛ لأنه يؤدي إلى أن يسلم له عوضان بمقابلة مضمون واحد، ولا وجه إليه في باب العدوان كذا في «المبسوط» (٢)، و «مبسوط فخر الإسلام» (٣)، وصورة المغرور أن يغر رجل رجلًا، ويقول: تزوج هذه المرأة فإنها حرة فتزوجها، ودخل بها، ثُمَّ استحقها مستحقًا بأنها أمته، فإن المولى يأخذ من الزوج العقر، ثُمَّ هو لا يرجع به على الآمر الغار.

(يلزمه الصدقة في مسألتنا).

أي: فيما إذا كان الحالف محرمًا.

(في الوجهين).

أي: يأمره أو بغير أمره.

(وعلى هذا الخلاف إذا حلق المحرم رأس الحلال).

أي: عندنا يجب الصدقة على الحالق، وعنده لا يجب/ الصدقة، واحتج الشافعي (٤) -رحمه الله- بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} (٥)، وإنما يحلق الناس رؤوسهم بأيدي غيرهم، ومطلق الكلام ينصرف إلى العهود، ولأصحابنا قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} (٦)، وهذا يتناول رأس غيره لا محالة؛ لأنه لا يقدر على رأس نفسه، فكان هو الثابت نصًّا، وغيره ثانيًا دلالة، ولأن فيه نوع ارتفاق لما أن الإنسان قد يتأذى برؤية تفث غيره كم يتأذى بتفث نفسه خصوصًا فيما بين الأزواج، والزوجات، والسيد، والإماء وبين المخالطين بالأكل إلا أن التأذي ثُمَّة أصل، وفي نفسه أكثر لكن وجد نفس التأذي، فيحصل بإزالته نفس الارتفاق لا كماله، فيكفي لإيجاب الصدقة. كذا في «الجامع الصغير» (٧) لفخر الإسلام، والإمام الكاشاني.

قوله -رحمه الله-: (ولنا أن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان) إلى أن قال: (بمنزلة نبات الحرم).

يقتضي أن الحلال إذا حلق رأس الحلال في الحرم أن يجب الجزاء على الحالق كم يجب على من يقطع نبات الحرم، وإن كان حلالًا لكني ما صادفت رواية تقتضيه، بل وجدت رواية تدل على أنه لا يجب الجزاء، وهو ما علّل الشافعي (٨) بقوله: "فلا يحصل شيء من معنى الراحة بحلق رأس الحلال، فلا يلزمه شيء، (ألا ترى أن الحلال لو حلق بنفسه لم يلزمه شيء) كذا في «المبسوط» (٩).


(١) أثبته من (ب).
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ٧٣).
(٣) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٣٦)
(٤) انظر "المجموع" للنووي (٧/ ٢٤٨).
(٥) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٦) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٧) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٣٧).
(٨) انظر: النووي في "المجموع" (٧/ ٢٤٧).
(٩) انظر: المبسوط (٤/ ٧٢).