للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وهما يقولان)، أي (١): كفارات الإحرام يغلب فيها معنى العبادة بدليل أنها تجب على المعذور كالمكره، والنائم، والمخطئ، والناسي كالعبادات تجب عليهم، ولا تجب العقوبات إلا أنه إذا كان في مجلس واحد، فالمقصود واحد، والمحال (٢) مختلفة فرجحنا اتحاد المقصود بسبب اتحاد المجلس، وأما إذا اختلفت المجالس فيرجح (٣) جانب اختلاف المحال فيوجب بكل فعل دمًا كما في آي السجدة، فإن قلتَ: قص الأظفار من حيث أنه قص جنس واحد، ففي الجنس [الواحد] (٤) لا يتعذر الواجب، وإن اختلفت الأمكنة كم لو ترك الرمي أصلًا لزمه دم واحد، وإن اختلفت أمكنة الرمي وأزمنته، وكذلك في حلق الرأس كله دم واحد، وإن كان الحلق في مواضع كثيرة، وكذلك التطيب./ قلتُ: دعوى اتحاد الواجب باعتبار أنه من حيث أنه كذا شيء واحد غير مستقيم، فإن قتل الصيود من حيث أنه قتل الصيد شيء واحد، ومع ذلك تعدد الواجب بتعدد الصيود بالإجماع باعتبار تعدد محل القتل، ثُمَّ إنما وجب دم واحد عند ترك الرميات لما أن الرمي نسك من المناسك، وجناية ترك النسك جناية [نقص] (٥) الأداء، والرميات كلها في الأداء نسك واحد لاتفاق الجنس، فيصير الأداء منقوضًا بفوات نسك واحد، فيجب جبر واحد، والجناية فيما نحن فيه تجرح الإحرام، وكل جناية أوجب جرحًا على حدة، فيجب لكل جرح كفارة على حدة إذا اختلفت الجنايات، وهو في القص عند اختلاف المحل.

فأما الرأس فإنه عضو واحد فكان حلقه جناية واحدة؛ إذ به يطلب الراحة من طريقة واحدة، وكان حلق الرأس جناية واحدة من حيث المحل، والمقصود.

وأما قص الأظفار فله جهة الاتحاد، والاختلاف على ما ذكرنا إلى هذا أشار في «الأسرار» (٦)، و «المبسوط» (٧).

وحاصلة: أن أبا حنيفة، وأبا يوسف -رحمهما الله- جعلا اختلاف المجالس بمنزلة اختلاف الجنس كما في حلق ربع الرأس مع تطييب عضو كامل، ومحمدًا جعل افتراق المجلس عند اتفاق الجنس مع عدم التكفير للأول كاجتماعه في مجلس واحد كما في كفارة الفطر إلى هذا أشار في «شرح الطحاوي» (٨): أن أظافير كف واحد أقل ما يجب الدم [بقملة] (٩)، وذلك لأن (الدم في الأصل إنما يجب بقص أظافير اليدين، والرجلين، واليد الواحد ربع ذلك، فيجعل بمنزلة الكمال كربع الرأس في الحلق، فكان هذا أدنى ما يتعلق به الدم، فلا يمكن أن يقام الأكثر فيه مقام الكمال؛ إذ لو فعل كذا أدّى إلى ما لا يتناهى فيقال: إذا قصّ الظفرين فقد قص أكثر الثلاثة، ثُمَّ إذا قص ظفرًا، ونصف ظفر فقد قص أكثر الظفرين، ولكن يقال: ما كان أدنى المقدار شرعًا لا يتعلق بما دونه الحكم المتعلق به. كذا في «المبسوط» (١٠).


(١) في (ب): أن.
(٢) في (ب): المحلل.
(٣) في (ب): فيترجح.
(٤) أثبته من (ب).
(٥) أثبته من (ب) وفي (أ) بعض، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(٦) انظر: الأسرار (٢٢٧).
(٧) انظر: المبسوط (٤/ ٧٣).
(٨) انظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٣٩).
(٩) أثبته من (ب) في (أ) بقلمه، ولعل الصواب ماأثبته لموافقته سياق الكلام.
(١٠) انظر: المبسوط (٤/ ٧٧ - ٧٨).