للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} (١)» (٢) إلى آخره كما هو المذكور في الكتاب، ولو لم يكن النص عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتقدير الصوم بثلاثة أيام لكنا نقدره بستة أيام؛ لأنه لما لم نقدر الطعام

بطعام ستة مساكين، وصوم يوم بمنزلة/ طعام مسكين فينبغي أن يلزمه صوم ستة أيام، ولكن ثبت ببيان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الصوم ثلاثة أيام، فسقط اعتبار، وكل قياس بمقابلته، وكذلك الجواب في كل ما اضطر إليه مما لو فعل غير مضطر لزمه الدم.

(فإذا فعله المضطر فعليه أي الكفارات الثلاث شاء؛ لأنه في معنى المنصوص عليه من كل وجه، فيكون ملحقًا به) كذا في «المبسوط» (٣).

(وكذلك الصدقة عندنا).

أي: خلافًا للشافعي (٤) -رحمه الله-، وقال الشافعي (٥) -رحمه الله-: "لا يجزيه الطعام إلا في الحرم"؛ لأن المقصود به رفق [فقراء] (٦) الحرم، ووصول المنفعة إليهم، ولكن نقول التصدق قربة في أي موضع كان هو بمنزلة الصيام لما بيّنا.

وهو قوله: (لأنه عبادة في كل مكان)(وأما النسك يختص بالحرم).

يقال: نسك لله نسكًا، ومنسكًا إذا ذبح لوجهه.

(ويقال: من فعل كذا فعليه نسك)، أي: دم يهريقه [بمكة] (٧)، ثُمَّ قالوا: لكل عبادة نسك، ومنه {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} (٨)، كذا في «المغرب» (٩).

ثُمَّ المراد هنا به الهدي الذي يذبحه في الحرم بطريق الجزاء عما باشره من محظورات الإحرام كالتطيب، والحلق في حالة العذر، وذلك مخصوص بالحرم بالاتفاق؛ لأن إراقة الدم لا يكون قربة إلا في وقت مخصوص كالتضحية، وهدي المتعة، والقران في أيام النحر، أو مكان مخصوص، وهو الحرم كما في دماء الكفارات، وهذا الدم غير مؤقت بالزمان، فيكون مختصًا بالمكان، وهو الحرم؛ ليتحقق في معنى القربة فيه، فيكون كفارة لفعله كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (١٠)، ولأن الله تعالى قال في جزاء الصيد: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (١١)، وذلك وجب بطريق الكفارة، فصار أصلًا في كل هدي وجب بطريق الكفارة في اختصاصه بالحرم، ثُمَّ ليس المراد من الاختصاص بالحرم عين إراقة الدم؛ لأن فيها تلويث الحرم إنما المقصود التصدق باللحم بعد الذبح، فعليه أن يتصدق بلحمه فكذلك كل دم وجب عليه بطريق الكفارة في شيء من أمر الحجّ والعمرة، فإنه لا يجزيه ذبحه إلا في الحرم، وعليه التصدق بلحمه بعد الذبح على فقراء الحرم، وإن تصدق على غيرهم من [الفقراء] (١٢) أجزأه عندنا؛ لأن الصدقة على كل فقير قربة.


(١) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري في "صحيحه" باب: [غزوة الحديبية] (٥/ ١٢٩) برقم: [٤١٩١]، وأخرجه مسلم في "صحيحه" باب: [جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى، وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ لِحَلْقِهِ، وَبَيَانِ قَدْرِهَا] (٢/ ٨٦٠) برقم: [١٢٠١].
(٣) انظر: المبسوط (٤/ ٧٥).
(٤) انظر "المجموع" للنووي (٧/ ٣٣٩) و"مغني المحتاج" للخطيب في (٢/ ٢٩٧).
(٥) انظر: المجموع (٧/ ٥٠١)، مغني المحتاج (٢/ ٣٠٩).
(٦) أثبته من (ب) وفي (أ) فقر، ولعل الصواب ماأثبته لأن الكلام في سياق الجمع.
(٧) أثبته من (ب).
(٨) سورة الأنعام من الآية (١٦٢).
(٩) المغرب في ترتيب المعرب (١/ ٤٦٣).
(١٠) سورة هود من الآية (١١٤).
(١١) سورة المائدة من الآية (٩٥).
(١٢) أثبته من (ب) وفي (أ) الفقير، ولعل الصواب ماأثبته لأن الكلام في سياق الجمع.