للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في قول أبي حنيفة -رحمهما الله-/ وعندهما (١) لا دم عليه هذا كله من «المبسوط» (٢)، و «مبسوط الإسبيجابي» (٣).

(وكذا إن ترك الأكثر منها).

أي: من جمرة العقبة.

(ومن أخر الحلق حتى مضت أيام النحر فعليه دم عند أبي حنيفة -رحمه

الله-) (٤).

والحاصل: أن عند أبي حنيفة الحلق للتحلل في الحجّ يتوقت بالزمان، وهو أيام النحر، وبالمكان، وهو الحرم، وعلى قول أبي يوسف -رحمه الله- لا يتوقت لا بالزمان، ولا بالمكان على ما يجيء بعد هذا.

قوله -رحمه الله-: (لأن التأخر عن المكان يوجب الدم) إلى آخره.

وهذا دليل لإثبات مذهب أبي حنيفة -رحمه الله-، وهو جواب أيضًا عن قولهما إنه لا يجب مع القضاء شيء آخر، ولنا (٥) القياس كذلك إلا أنا أوجبناه استدلالًا بالتأخير عن الميقات، فإن تأخير الإحرام عن الميقات شرع موجب للدم، وإن قضى المتروك بمثله، والقياس يترك بدلالة النص، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٦).

(ومن اعتمر فخرج من الحرمِ، وقصّرَ فعليهِ دم).

وكذلك لو حلق.

(وقيل: هو بالاتفاق)، أي: وجوب الدم على الحاج إذا حلق في غير الحرم؛ لأن السنة جرت في الحجّ.

(فالحاصل: أن الحلق يتوقت).

أي: في الحجّ؛ لأن الحلق في العمرة غير موقت بالزمان، وبالإجماع على ما يأتي.

(بالزمان والمكان عند أبي حنيفة رحمه الله).

الزمان هو يوم النحر، والمكان الحرم حتى لو أخر عنهما يجب الدم عنده، وقال: لأن ما كان للتحلل في الحجّ يتوقت بالزمان، والمكان جميعًا كالطواف الذي يتم به التحلل لا يكون إلا في المسجد، فيتوقت بأيام النحر فكما أنه لو أخر الطواف عن وقته يلزمه الدم عنده، فكذلك إذا أخر الحلق عن وقته فعلى هذا كان ينبغي أن لا يُعتدّ بحلقه خارج الحرم كما في الطواف لكنا جعلنّاه معتدًّا به؛ لأن محل فعله الرأس دون الحرم، ولكن جاز لتأخيره عن مكانه، فليلزمه دم كما يلزمه بالتأخير عن وقته لا يتوقت بهما؛ لأن الحلق الذي هو نسك في أوانه بمنزلة الحلق الذي هو جناية قبل أوانه فكما أن ذلك لا يختص بزمان ومكان، فكذلك هذا لا يختص بزمان ومكان؛ لأنه لو خصّ بهما لما وقع معتدًّا به في غير ذلك المكان والزمان كالوقوف بعرفة، وقد اعتدّ به، وعند محمد يتوقت بالمكان دون الزمان؛ لأن تعلق المناسك بالمكان أكد من تعلقها بالزمان كالطواف بالبيت، وعند زفر على عكسه؛ لأن التحلل عن الإحرام معتبر بابتداء الإحرام، وابتداء الإحرام مؤقت بالزمان دون المكان حتى يكره له أن يحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ، ولا يكره له أن يحرم بالحجّ في أي مكان شاء قبل أن يصل إلى الميقات، فكذلك التحلل عنه بالحلق يتوقت من حيث الزمان دون المكان، فلذلك إذا أخره عن أيام النحر يلزمه الدم، وإذا خرج من الحرم، ثُمَّ حلق لا يلزمه شيء كذا في «المبسوط» (٧) غير مؤقت بالزمان بالإجماع، وأما في حق المكان، ففيه الاختلاف كالاختلاف في الحلق للحج.


(١) أي: الصاحبين.
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ٦٤).
(٣) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٣٩).
(٤) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٢).
(٥) في (ب): وقلنا.
(٦) انظر: المبسوط للشيباني (٢/ ٥٢١)، العناية شرح الهداية (٣/ ٦٢)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٣/ ٢٦).
(٧) انظر: المبسوط (٤/ ٧١).