للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدها: ما بيّنا بأنّ خيار البلوغ في الفرقة يحتاج إلى القضاء وخيار العتق لا.

والوجه ما بيّنا.

والثّاني: أن خيار المعتقة لا يبطل بالسّكوت بل يمتد إلى آخر المجلس كخيار المخيرة وخيار البلوغ في جانبها يبطل بالسّكوت لأنّ المعتقة إنّما يثبت لها الخيار بتخيير الشّرع حيث قال رسول الله -عليه السلام-: «مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي» (١) فيكون بمنزلة الثّابت بتخيير الزّوج فأمّا هذا الخيار فيثبت للبكر لانعدام تمام الرضاء منها ورضاء البكر يتم بسكوتها شرعًا.

ألا ترى أنّها لو زوّجت بعد البلوغ فسكتت كان سكوتها رضاء فكذلك إذا زوّجت قبل البلوغ ولهذا قلنا لو بلغت ثيباً لا يبطل خيارها بالسّكوت كما لو زوجت بعد البلوغ وكذلك الغلام لا يبطل خياره بالسّكوت لأنّ السّكوت في حقّه لم يجعل رضاء كما لو زوج بعد البلوغ والثّالث أن خيار العتق يثبت للأمة دون الغلام وخيار البلوغ يثبت لهما جميعًا لأن ثبوت خيار العتق باعتبار زيادة الملك وذلك في عتق الأمة دون الغلام وثبوت خيار البلوغ لنقصان شفقة الولي وذلك موجود في حق الغلام والجارية.

ولا يقال بأنّ الغلام ههنا يتمكّن من التخلّص بالطّلاق كما في العتق لأنّا نقول أنّه لا يتمكّن من التخلّص عن المهر بالطّلاق ولم يكن متمكّنًا من التخلّص عند العقد بخلاف العبد فإنّه كان عند العقد متمكّنًا من التخلّص بالطّلاق بدون وجوب المهر فإنّ وجوب المهر كان يومئذ في مال المولى وباعتبار تملك المولى إجباره على النكاح فلهذا فرقنا بينهما.

والرّابع أنّ المعتقة إذا علمت بالعتق ولم تعلم أنّ لها الخيار لا يسقط خيارها حتّى تعلم به والتي بلغت إذا لم تعلم بالخيار وعلمت بالنكاح [فسكتت] (٢) سقط خيارها لأنّ سبب الخيار في العتق وهو زيادة الملك حتّى لا يعلمه إلا الخواص من النّاس فتعذّر بالجهل وقد كانت مشغولة بخدمة المولى فعذرناها لذلك.


(١) رواه الدار قطني بلفظ "اذْهَبِي، فَقَدْ عَتَقَ مَعَك بُضْعُك" (٤/ ٤٤٤)، وفي الصحيحين عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الوَلَاءَ لِمَنْ أَعْطَى الوَرِقَ»، فَأَعْتَقْتُهَا، فَدَعَاهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبَتُّ عِنْدَهُ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا"رواه البخاري كتاب العتق باب بيع الولاء وهبته (٣/ ١٤٧) برقم (٢٥٣٦)، ومسلم كتاب العتق باب إنما الولاء لمن أعتق (٢/ ١١٤٢) برقم (١٥٠٤).
يُنْظَر: نصب الراية (٣/ ٢٠٤)، والدراية (٢/ ٦٤).
(٢) ساقط من (ب).