للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمّا الكناية: فقوله: لا أمسّك، لا آتيك، لا أدخل بك، لا اغتسال، لا يجمع رأسي ورأسها شيء، أو لا يضاجعها، أو لا يقرب فراشها، فما لم ينو لا يكون إيلاء -كذا في «الفتاوى الظهيريّة» (١) -.

وإن آلى من امرأته، ثم قال لامرأة له أخرى: قد أغشاك في إيلاء هذه كان باطلاً؛ لأنّ الإشراك يغيّر حكم يمينه، فإنّه قبل الإشراك كان يحنث بقربان الأولى، وبعد الإشراك لا يحنث بقربان الأولى ما لم يقربها، كما لو قال: والله لا أقربكما، وهو لا يملك تغيير حكم اليمين مع بقائها، وبه فارق الظّهار؛ لأنّ إشراك الثّانية لا يغير حكم الظّهار في الأولى، هذا فيما إذا لم يقل للأولى بلفظ قوله: (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ).

أمّا لو قال لامرأته أنت عليّ حرام، ثم قال لامرأة أخرى له: أشركتك معها، كان مولياً؛ لأنّ الإشراك منهما لا يغير موجب اليمين، فإنّه لو قال لهما: أنتما عليّ حرام، يصير مولياً من كلّ واحدة منهما، ويلزمه الكفّارة بوطء كلّ واحدة منهما، بخلاف قوله: والله لا أقربكما.

والفقه فيه أنّ قوله: والله لا أقربكما، إنّما صار يمينًا موجباً للكفّارة، باعتبار هتك حرمة اسم الله تعالى بمباشرة الشّرط، وذلك لا يتحقق إلا بقربانها.

أمّا قوله: أنتما عليّ حرام، إنّما صار إيلاءً باعتبار معنى التّحريم، وذلك موجود في حقّ كلّ واحدة منهما على حدة -كذا في «المبسوط» (٢)، و «المحيط» (٣)، و «الذّخيرة» (٤) -؛ لأنه نوى حقيقة كلامه؛ لأنّ امرأته حلال له.

وقوله: أنت عليّ حرام كذب، وإرادة الكذب [من الكلام الكذب] حقيقة له.

وذكر في «المحيط» (٥): وإن قال: نويت به الْكَذِبَ، فَهُوَ كَذِبٌ لَا حُكْمَ لَهُ، ويصدقه القاضي؛ لأنّه فسّر لفظه بما يقتضيه ظاهره، وهو نظير ما لو قال لامرأته: أنت حرة، وقال: أردت نعتها بالحريّة لا الطلاق، يدين في القضاء -هكذا ذكر شمس الأئمة الحلواني-، وقال شمس الأئمة السّرخسي -رحمه الله-: قالوا لا يصدق في القضاء (٦)؛ لأنّه يمين ظاهرٌ؛ لأنّه تحرم الحلال، وتحريم الحلال يمين، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (٧) إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (٨)، سمى الله تعالى تحريم الحلال يمينًا، وَهُوَ الرُّكْنُ فِيهِ، أي: التّشبيه ركن في الطّهارة.


(١) ينظر: الاختيار لتعليل المختار (٣/ ١٥٢)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٢/ ٢٦٢).
(٢) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٧/ ٣٣).
(٣) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤٤٣).
(٤) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤٤٣).
(٥) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٢٦).
(٦) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٧١)، والمحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٢٦).
(٧) [التحريم: ١].
(٨) [التحريم: ٢].