للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا، وذكر الإمام قاضي خان -رحمه الله- فإذا وجدت زوجها عنّينًا ولم يخاصم زماناً لم يبطل حقها، وكذا لو رفعت الأمر إلى القاضي وأجّله القاضي سنة فلم يخاصم زماناً بعد مضي الأجل؛ لأنّها لا تقدر على الخصومة في كل وقت، ولأنّ ذلك قد يكون للتجربة والامتحان لا للرضاء (١).

وإن وطئها مرة ثم عجز بعد ذلك لا خيار لها؛ لأنّ ما هو المقصود وهو تأكد المهر والإحصان وغير ذلك بالواحد، وما زاد على ذلك فهو مستحق ديانة لا حكمًا، فإن قلن: هي ثيب، يحلّف الزوج بالله لقد أصبتها، لعلّ بكارتها زالت بوجه آخر فيشترط اليمين مع شهادتهن، ليكون حجة، ثم كيف يعرف أنّها بكر أم ثيب؟ قالوا: يدفع في فرجها أصغر بيضة من بيض الدجاج فإن دخل بلا عنف فثيب وإلا فبكر، وقيل: إن أمكنها أن تبول على الجدار فبكر وإلا فثيب.

وقيل: تُكسر البيضة فتُصب في فرجها فإن دخلت فثيب وإلا فبكر (٢).

ولو وطئها مرة ثم عجز فلا خيار لها، وقد ذكرناه، وكذلك لو لم يكن له ماء ويجامع ولا ينزل لا يكون لها حق الخصومة، وهل يأثم بترك الوطء مرة، ففي شرح بكر - رحمه الله - يأثم إذا تركها متعنتًا (٣) مع القدرة، فأمّا المولى هل يأثم بترك وطء الأمة مع القدرة وحاجتها إلى ذلك؟ قال: ينبغي أن لا يأثم.

ولو وصل العنّين امرأته ثم فارقها، ثم تزوّجها فلم يصل إليها فلها الخصومة، لأنّ هذا النكاح غير الأوّل، ولو فرق بينهما بعدم الوصول، ثم وعدها الوصول، فتزوّجها فعجز، فلا خيار لها؛ لأنّها رضيت.

بخلاف ما لو تزوّجت به أخرى وهي عالمة بحاله لا يكون رضاء منها.

وفي الأصل يكون رضا؛ لأنها رضيت بالمقام معه، وإن علمت بعد النكاح بحاله لا يبطل خيارها بطول مقامها معه؛ لأنّ الحق لا يبطل بالتأخير ما لم يقل: رضيت بالمقام معه.

وفي أدب القاضي سأل الزّوج القاضي أن يؤجله سنة أخرى أو شهراً أو أكثر فإنّه لا ينبغي له أن يفعل ذلك إلا برضاء المرأة، فإن رضيت ثم رجعت فلها ذلك، ويبطل الأجل ويخيّر، كذا ذكره الإمام التمرتاشي - رحمه الله - (٤).


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٥/ ٩٦)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (١/ ٣٩٩).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٣٠١)
(٣) العنت: الوقوع في أمرٍ شاقّ. وقد عَنِتَ وأعْنَتَهُ غيره. ويقال للعظم المجبور إذا أصابه شئ فهاضه: قد أعنته، فهو عَنِتٌ ومُعْنَتٌ. وجاءني فلان مُتَعَنِّتاً، إذا جاء يطلب زَلَّتَكَ. ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (١/ ٢٥٩).
(٤) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٥٨٥)، لسان الحكام (ص: ٣٣٠).