للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الذي ذَكَر في التُّحفة معنى ما ذَكَر في المبسوط، فقال فيه بعدما ذكر قول الشافعي -رحمه الله-: "فأمَّا عندنا فالحقُّ يثبت بِنَفس الأخذ، ويتأكَّد بالإحراز/، ويُملَك بالقسمة كحقِّ الشُّفْعة يثبت بالبيع، ويتأكَّد بالطَّلَب، ويتِمُّ الملك بالأخذ. وما دام الحق ضعيفًا لا يجوز القسمةلأنَّه دون الملك الضّعيف في المبيع قبل القبض" (١).

(والثَّانيمنعدِم) أَي: إثبات اليدالنَّاقلة إلى دار الإسلام (منعدم لقدرتهم) أي: الكَفَرة (ووجوده ظاهرًا) لكونِ المسلمين في ديارهم فكان قولهم. و"وجوده" بالجر عطفًا على قدرتهم.

(ثم قيل: موضع الخلاف تَرتُّب الأحكام على القِسمة إذا قَسَم الإمام لا عن اجتهاد)، أي: أنَّ موضع الخلاف فيما إذا صَدرت القسمة عن الإمام بدون الاجتهاد، فإنَّها هل يثبت حكم الملك لمن وقَعَت القسمة في نَصيبه مِن الأَكل والوَطْءِ وسائر الانتفاع أم لا؟ فَعَلى قَولٍ تَثبُت، وعندنا لا تَثبُت.

ثم علَّل بقوله: (لأنَّ حُكم المُلك لا يثبت بدونه) أي: بدون الملك؛ فلمَّاتثبتأحكام الملك عنده في الأكل والوطء وغيرهما بهذه القسمة الصَّادرة لا عن اجتهاد، عَلمنا أنَّ الملك كان ثابتًا له قبل القِسمة؛ كما إذاكانت التَّرِكة بين الورثة، فإنه إنَّما تثبت أحكام الملك في الانتفاعات إذا وقعت القسمة لثبوت نفس الملك قبل القسمة. فكذلك ههنا على قوله: وعندنا لا يَثبتُ بهذه القسمةِالصَّادرةِ لا عن اجتهادٍ في حكمٍ الملكُ؛ لأنَّ الملكَ يثبت قبل هذه القسمة، فلا يثبت حكم الملك من الانتفاع بهذه القسمة شيء، ثم إنَّما قيَّد القِسمة لا عن اجتهاد ليظهر موضِع الخلاف، فإنَّه إذا قسم مجتهدًا جاز بالاتفاق (٢).

وذكر في المبسوط: "وإنْ قسمها في دار الحرب جاز؛ لأنَّه أمضى فصلًا مجتهدًا فيه، وقضاء المجتهِد في المجتهَد فيه نافذ" (٣).

(وقيل: الكراهة (٤) أي: حكم قسمة الغنائم في دار الحرب على مذهبنا الكراهة، لا عدم الجواز.


(١) المبسوط للسرخسي (١٠/ ٣٣).
(٢) ينظر مراتب الإجماع (ص: ١١٨).
(٣) المبسوط للسرخسي (١٠/ ٣٣).
(٤) الكراهة: قيل: الكُرْه بالضم المشقة، والكَرْه بالفتح تكليف ما يكره فعله، وقيل: هما لغتان في المشقة. أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء (ص: ٩٩).
وقيل الكراهة هي: خطاب الله تعالى المتعلق بطلب الكف عن الفعل طلبًا غير جازم، وهي مقابل الاستحباب، فهي طلب الترك لا على سبيل الحتم والإلزام. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (٣/ ١٤٣).