للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: العصمة في المال إنما تَثبتُ تبعًا لعصمة المالك، وأمَّا بالنّظر إلى نفسه فلا عِصمة فيه لما أنَّ المال في أصله كان على صفة الإباحة؛ ثُمَّ بِتَبَعيَّة المال للمالك في العصمة إنَّما يثبت أنْ لَو ثبت يد المالك المعصوم له حقيقةًأو حكمًا مع الاحترام؛ لما أنَّ في ثبوت يده حكمًا بدون الاحترام معارضة جهة الإباحة الأصلية، فلم يثبت العصمة؛ لأنَّ العصمة أمر عارض فلا يثبت عند معارضة الدليلين؛ ولأنَّ قيام يد المودَع في الوديعة حقيقي، وقيام يد المالك عليها (١) حُكمي، فاعتبار الحُكم إنْ أَوجب العِصمة واعتبار الحقيقة يمنع، والعصمة لم تكن ثابتة، فلا تثبت بالشّك (٢). إلى هذا أشار الإمام قاضي خان والإمام ظهير الدين (٣).

(وما كان غصبًا في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند أبي حنيفة، وقالا: لا يكون فيئًا).

(قال العبد الضعيف: كذا ذَكر الاختلاف في السّير الكبير، وذكروا في شرح الجامع الصَّغير قولَ أبي يوسف مَع قول محمد).

قلت: هكذا وقع لفظ الهداية في بعض النُّسَخ، وهو هكذا لا يَصِحُّ أصلًا؛ لأنَّه لو كان الاختلاف هكذا في ذينك الكتابينِلقال: كذا ذكر الاختلاف في السّير الكبير والجامع الصغير، ولما احتاج إلى ذكر قوله: (وذكروا في شرح الجامع الصغير قول أبي يوسف مع محمد)؛ لأنَّه حينئذ يكون تكرارًا محضًا مع تطويل بغير فائدة. وَوَقع في بعض نُسَخ الهداية: "وذَكروا في شرح الجامع الصَّغير قول أبي يوسف مع (٤) أبي حنيفة"، ووقع في بعضِها: "وقال محمد: لا يكون فيئًا"، فكان قوله: (وقالا)، ومع قول أبي حنيفة فكان قوله (مع محمد)، ولكنِّي تَتَبَّعتُ بتوفيق الله تعالى الأقوال، فوجدتُّها (٥) كما هو حقُّها في الكُتب، ثم وضعتُها كما يوضع الهِناء مواضع النُّقْب (٦). قلت: والصَّحيح من النُّسخ هو أنْ يقال: (وما كان غصبًا في يد مسلم أو ذمّي فهو فيء عند أبي حنيفة، وقال محمد: لا يكون فيئًا) (٧)؛ لأنَّ رواية السّير الكبير هكذا. كذا ذكره الإمام الأجلّ شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- في الدّفتر الثّاني من السِّير الكبير في "باب مالا يكون فيئًا وإن أُحرِز في دار الحرب" (٨)، وهكذا أيضًافي المحيط، ولم يذكر فيها قول أبي يوسف (٩).


(١) ساقط من (ب).
(٢) ينظر العناية شرح الهداية (٥/ ٤٨٩).
(٣) علي بن عبد العزيز المرغيناني الإمام أبو الحسن ظهير الدّين مات يوم الثلاثاء تاسع رجب سنة ٥٠٦ هـ، وهو أستاذ العلامة فخر الدين قاضي خانالجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٣٦٤).
(٤) في (ب) "مع قول".
(٥) ساقط من (ب).
(٦) يقال للبليغ مِن الرجال: قد رد قالب الكلام، وقد طبق المفصل، ووضع الهناء مواضع النقب. لسان العرب (١/ ٦٨٩).
(٧) ينظر شرح السير الكبير (ص: ٢٢٠٧).
(٨) ينظر شرح السير الكبير (ص: ١٣٨٠)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٥٣).
(٩) لم أقف عليه في المحيط.