للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ولأنَّ الكَرَّ والفَرَّ مِن جنس واحد)؛ لأنَّ نفس الفِرار ليس بمستحسَن، بل الفَرَّ إنَّما حسُن إذا فُعِل لأجل الكَرِّ، فحينئذ يكونانِ مِن جنس واحدٍ (١) إذ الكلام فيه؛ كذا في طريقةِبعض المشايِخ (٢).

(ولأنَّه تعذَّر اعتبار مقدار الزيادة) أي: قد يَزيد الفَارس على فارس آخَر في الغناء والكفاية، وكذلك الرَّاجل على رَاجلٍ آخر، فلَم تُعتبر تلك الزِّيادة (لتعذُّر) الوقوف؛ لأنَّ تلك إنَّما تظهَر عند المسابقة والمقاتلة عند الْتقاء الصَّفَينِ، فكُلٌّ (٣) منهم مشغول بشأن في ذلك الوقت، فيتعذَّر الوقوف عليه، فأُدير حُكم زيادة الغناء على السَّبب الظَّاهر، وهو مجرد كونه فارسًا وكونه راجلًا. وذكر في الأسرار: والزِّيادة لا تتعلّق بزيادة الغناءإذ بعضهم لا بدّ أنْ يكون أغنى من بعض، والشاكي (٤) في السلاح أغنى من الأعزل (٥)، يعني:/ مع أنَّ كلَّ واحدٍ منهما فارس، فلم يَفضُل أحد منهما على الآخر بزيادة الغنىاء، فَعُلِم أنَّ الحكم متعلِّق بالسَّبب الظاهر، لا بزيادة الغناء التي لا يُوقف عليها (٦).

(فلا يكون السَّبب الظاهر مُفضيًا إلى القتال عليهما) أي: فلا يكون مجاوزة الدَّرب بفَرَسينِ مفضيًا إلى القِتال على فَرَسين، فَلَم يُعتبر الفرس الآخر لذلك. وقال في الأسرار: فالمبْتَدَأ (٧) معتبَر على مآل الآخِر من القتال، فإنَّ الإرهاب إنَّما يحصل لخوفهم عاقبةَ أمرهم من القتال معهم على الأفراس، والقتال لا يُتصوَّر إلا على فرس واحد، فإذا عُلِم ذلك حقيقةًلم تقع زيادة إرهاب بزيادة الفرس (٨).

" (كما أعطى سَلَمة بن الأكوع (٩) -رضي الله عنه- سَهمَين وهو راجل)؛ لأنَّه أعطاه أحد السَّهمين على سبيل التنفيل لجِدِّه في القتال، فإنَّه قال: "خير رجالتنا سلمة بن الأكوع، وخير فرساننا أبوقتادة (١٠) " (١١).


(١) ينظر البناية شرح الهداية (٧/ ١٦١).
(٢) يقصد العلماء الذين لم يدركوا الإمام أبا حنيفة.
(٣) في (ب) "وكل".
(٤) الشاكي: قلب الشائك، وهو ذو الشوكة والحد في سلاحه. شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (٦/ ٣٥٢٠).
(٥) الأعزل: الذي لا سلاح معه. المحكم والمحيط الأعظم (١/ ٥٢٠)، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (٧/ ٤٥٢٠).
(٦) ينظر العناية شرح الهداية (٥/ ٤٩٦)، البناية شرح الهداية (٧/ ١٦١).
(٧) في (ب) "فالمبدأ".
(٨) ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٥٥).
(٩) سلمة بن الأكوع: هو الصحابي الجليل سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان بن عبد الله أول مشاهده الحديبيّة، وكان من الشّجعان، ويسبق الفرس عَدوا، وبايع النَّبي -صلى الله عليه وسلم- عند الشّجرة على الموت. رواه البخاريّ من حديثه، وقد روى أيضا عن أبي بكر وعمر وغيرهما. ونزل المدينة، ثم تحوّل إلى الرّبذة بعد قتل عثمان، حتّى كان قبل أن يموت بليال نزل إلى المدينة فمات بها، رواه البخاريّ، وكان ذلك سنة أربع وسبعين على الصّحيح. وقيل: مات سنة سنة أربع وستين. ينظر الإصابة (٣/ ١٢٧).
(١٠) أبو قتادة: أبو قتادة بن ربعي الأنصاري، المشهور أن اسمه الحارث، وجزم الواقدي، وابن القداح، وابن الكلبي، بأن اسمه النعمان، وقيل: اسمه عمرو، وأبوه ربعي هو ابن بلدمة بن خناس، بضم المعجمة وتخفيف النون، وآخره مهملة، ابن عبيد بن غنم بن سلمة الأنصاري الخزرجي السلمي، وأمّه كبشة بنت مطهّر بن حرام بن سواد بن غنم. اختلف في شهوده بدرا، واتّفقوا على أنه شهد أحدا وما بعدها، وكان يقال له فارس رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-. ثبت ذلك في صحيح مسلم، توفي بين الخمسين واالستين كما ذكره البخاري في الأوسط. ينظر الاصابة (٧/ ٢٧٢).
(١١) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قرد وغيرها، برقم (١٨٠٧) ٣/ ١٤٣٣.