للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وجه الاستحسان أنّه إقرار للصَّبي بما ينفعه … ) إلى آخره؛ وكان دعواه كدعوى الملتقِط نَسَبه، ثُمّ يترجَّح هو على الملتقِط في الحفظ حكمًا لثبوت نسَبه منه. ومثل هذا يجوز أنْ يثبت حكمًا، وإن لم يثبت قصدًا، كما أنَّ النّسب (١) والميراث يثبت بشهادة القابلة على الولادة حكمًا، وإن كان لا يثبت المال بشهادتها قصدًا.

(ثم قيل: يصحُّ في حقِّه) أَي: في حقِّ النَّسب.

(وقيل: يُبنى عليه بطلان يده) لأنَّ مِن ضرورة ثبوت النَّسب له أنْ يكون هو أحقُّ بحفظ ولده من الأجنبي.

(ولو ادعاه الملتقِط) أي: ولو ادَّعى الملتقِط نسب اللَّقيط وقال: هو ابني بعد ما قال: إنَّه لقيط.

(والأصحُّ أنّه على القياس والاستحسان) أي: على اختلاف حكم القياس مع حكم الاستحسان، يعني: في القياس لا يصحُّ، وفي الاستحسان يصحُّ، كما في دعوى غير الملتقط؛ لكن وجه القياس ههنا غير وجه القياس في دعوى غير الملتقِط، فوجه القياس في دعوى غير الملتقِط هو تضمُّن إبطال حقِّ الملتقط، فلذلك لم تصحَّ (٢) دعواه، ووجه القياس في دعوى الملتقط هو تناقُض كلامه؛ لأنَّه لما زَعَم أنَّه لقيط كان نافيًا نسبَه لأنَّ ابنَه لا يكون لقيطًا في يده، ثُمَّ ادَّعى أنّه ابنُه فكان مناقِضًا؛ ولأنَّ هذا إقرار على اللَّقيط وأنَّه (٣) يلزمه أحكام النِّسبة، والإقرار على الغير لا يصح. وفي الاستحسان تصحُّ دعواه (٤) لأنّ هذا إقرار على نفسه من وجهٍ مِن حيث إنَّه يلزمه نَفَقته، ويجب عليه أنْ يحفظه، فهو في هذا الإقرار يكتسِب له ما ينفعه، وبالالتقاط تثبت له هذه الولاية. وما قال: إنّه متناقِض؛ قلنا: نعَم، ولكنْ فيما طريقُه طريق الخَفاء، فقد يشتَبِه على النَّاس حال ولَدِه الصَّغير، ويظُنّ أنّه لقيط ثم يَتبيَّن بعد ذلك أنّه ولده. والتّناقض لا يمنع ثُبوت النّسب كالملاعِن إذا أكذَب نفسه (٥).

"فإذا مات اللّقيط وترك ميراثًا، أو لم يترك وادَّعى رجل أنّه ابنه لا تصح دعوته. فعلى هذا جواب الاستحسان/ فَرق بين حالة الحياة وبين حالة الموت لأنّ في حالة الحياة إنَّما صحَّت دعوته لأنَّه أقرَّ بما ينفع اللَّقيط مِن كلِّ وجهٍ، وهو النَّسب، وبالموت استغنى عَن النَّسب، بقي كلامه في دعوى الميراث فلا يُصدَّق فيه إلا بحجّة" (٦)؛ كذا في المبسوط والذخيرة.


(١) في (ب) "السبب".
(٢) في (ب) "يصح".
(٣) في (ب) "فإنه".
(٤) في (ب) "دعوته".
(٥) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ٢١١).
(٦) المبسوط للسرخسي (١٠/ ٢١٤).