للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في فتاوى قاضي خان: فلو دفعها إليه بالحلية أي: بسبب ذكر العلامة، ثُم جاء آخر، وأقام البيِّنة أنَّها له، فإنْ كانت اللُّقطة قائمة في يد الأوَّل يأخذها صاحبها منه إذا قدِر، وَلاشيء على الآخذ، وإنْ كانت هالكة، أو لم يقدِر على أخذها، فصاحبُها بالخيار إنْ شاء ضمَّن الآخذ، وإن شاء ضمَّن الدَّافع. وإنْ كان الملتقِط دفع بقضاء قاضٍ لا ضمان عليه، وإنْ كان الدّفع (١) بغير قضاء ضمن (٢).

(وهذا بلا خلاف) هذا احتراز عن أخذ القاضي الكفيل مِن الوارث أو الغريم، وهو قوله: (بخلاف الوكيل لوارث غائب عنده) أي: عند أَبي حنيفة. وردّ الضمير إليه وإن لم يسبق ذكره لشُهرة حكم تلك المسألة (٣)، على ما ذكر من الاختلاف. فصورة ذلك: ميراث قُسِم بين الغرماء، أو بين الورَثة، لا يُؤخذ من الغريم، ولا مِن الوارث كفيل عند أبي حنيفة. وعندهما يُؤخذ (٤)، والفرق لأبي حنيفة لأنَّ (٥) حقُّ الحاضر ههنا ليس بثابت، ولهذا كان له أنْ لا (٦) يدفع إليه المال؛ لأنَّ الكلام في الدَّفع إليه بذكر العلامة.

وأمّا في مسألة الوارث فحقُّ الحاضر معلوم، وحقُّ الآخر موهوم عسى يكون، وعسى لا يكون، فلا يجوز تأخير حقِّ الحاضر إلى وقت التّكفيل لأمر محتمَل لا أمارة عليه. هذا إذا دفع اللُّقطة (٧) بذكر العلامة، وأمَّا إذا دفع اللُّقطة (٨) بحكم أنَّ الحاضر أقام البيِّنة على أنَّها له ففي أخذ الكفيل روايتان عن أبي حنيفة (٩)، والصَّحيح أنّه لا يأخذ كفيلًا (١٠)؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان في "كتاب القضاء" من الجامع الصَّغير.

(وإذا صدَّقه قيل: لا يجبر على الدَّفع كالوكيل يقبِض الوديعة) بخلاف ما إذا [صدَّق] (١١) المدْيون وكيلَ ربّ الدّين بقبض دينه حيث يُجبر على دفع الدين لأنّ المديون إنَّما يقضي الدَّين بملك نفسه، وإقراره في ملك نفسه ملزِم. وأمّا المُودِعُ يُقرُّ له بحق القبض في ملك الغير، وإقراره في ملك الغير ليس بملزم.


(١) في (ب) "دفع".
(٢) ينظر فتاوى قاضي خان (٣/ ٢٣٧ - ٢٣٨).
(٣) العناية شرح الهداية (٦/ ١٣٠).
(٤) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٣٠٦)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٣٩٧).
(٥) في (ب) "أن".
(٦) ساقط من (ب).
(٧) في (أ) "اللفظ"، والصحيح ما أثبته، ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ١٣٠).
(٨) في (أ) "اللفظ"، والصحيح ما أثبته، المرجع السابق.
(٩) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ٨).
(١٠) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ١٣٠).
(١١) في (أ) "صدقه".