للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنْ قلت: فعلى قود هذا التَّقدير ينبغي أنْ لا (١) يبطل الشّركة بهلاك المال قبل أنْ يشتريا به شيئًا لما أنَّ الأصل هو العَقد دون المال عَلى ما ذكرت فكان بقاء المال وهلاكه بمنزلة، فإنَّ عقد الشّركة قد وُجِد والمال موجود فلا يبالى بعد ذلك ببقائه لانحطاط رتبته عن رتبة العقد.

قلت: العقد ركن في شركة العقود على ما مرَّ، والمال محلّ العقد فكان شرطًا؛ لأنَّ المحالَّ شروط لتوقُّف (٢) صحة الرُّكن أي: وجودها؛ لكنّ الركن يبطل إذا هلك المحلّ قبل اتِّصال المقصود بذلك المحلِّ كالمبيع إذا هلك في يد البائع، فإنَّ لفظ البيع والشراء ركن عقد البيع، والمبيع شرط لصحَّة ذلك الرُّكن ثمَّ ذلك الرُّكن يبطل بهلاك المبيع قبل قبض المشتري لما أنَّ المقصود مِن البيع ثبوت الملك للمشتري على وجه ينتفع هو به، والانتفاع إنَّما يحصل عند اتِّصال القبض، ولما هلك قبل هذا المقصود بطل الركن، فكذلك هنا المقصود مِن عقد الشّركة الاستنماء والاسترباح مِن رأس ماليهما، وذلك إنَّما يكون بتصرُّف الشّراء بهما، فلمّا هلك رأس المال قبل هذا المقصود بطَل الركن كما في البيع، والجامع بينهما عدم إفادة الركن فائدته.

قوله: (في المستفاد به): أي: بالتصرُّف.

(بدونه) أي: بدون خلط المال.

(وصار كالمضارَبة) فإنَّ الشركة ثابتة في الرّبح في المضاربة، وإنْ لم توجَد الشّركة في أصل المال لا بالخلط ولا بغيره بل بالعقد، فكذا ههنا، ولما كان الأَصل هو العقد لا المال لم يشترط اتِّحاد الجنس ولا التّساوي في رأس المال، وصحّ شركة التقبُّل إذ المال ليس بأصل.

(ونظيره في المزارعة) وهو أنْ يشترطا أنْ يكون لأحدهما قفزان مسمّاة فهو باطل؛ لأنَّ به تنقطع (٣) الشركة ومن شرط المزارعة أنْ يكون الخارج بينهما شائعًا.

قوله: (والتَّحصيل) بالرّفع؛ فإنَّه مبتدأ.

وقوله: (دونه) خبره.

(دونه) أي: الإبضاع أدنى من الاستئجار، وأقلُّ حالًا منه، لعدم المؤنة في الإبضاع أي: وتحصيل العمل الذي يحصل منه الرِّبح بغير عوض، وهو الإبضاع أدنى حالًا مِن استئجار الأجير على العَمَل فإنَّه أعلى مِن الإبضاع لوجوب الأُجرة على المستأجِر فلمّا ملك الأعلى كان أولى أن يملك الأدنى.

وذكر في المبسوط: "ولأنَّه لو استأجر من يتصرَّف في مال الشّركة جاز ذلك منه على شريكه، فإذا وجد من يتصرَّف بغير أجر كان له أَن يبضعه بالطريق الأولى" (٤).


(١) ساقط من (ب).
(٢) في (ب) "التوقف".
(٣) في (ب) "ينقطع".
(٤) المبسوط للسرخسي (١١/ ١٧٥).