للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في المبسوط: "ولكن هذا كلّه في حقّ الغير، أي: عدم جواز استتباع الشّيء مثله كما في الشركة والمضاربة، فأمّا في حقّ نفسه فيجوز أنْ يوجِب لغيره مثل ماله، ولهذا كان للمكاتب أنْ يكاتب وللمأذون أنْ يأذن لعبده؛ لأنَّه متصرِّف بنفسه بفكّ الحجر عنه" (١).

وأمّا اقتداء المفترِض بالمفترِض فجوازه ثبت بالإجماع (٢)، وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: "الإمام ضامِن" (٣)؛ ولأنَّ صلاة المقتدي مبنية على صلاة الإمام في حقّ الجواز والفساد بالحديث، لا أنْ تكون صلاة الإمام مستتبعة لصلاة المقتدي.

وأمّا النّاسخ فهو رافع صورة، ولكنْ هو في الحقيقة مبيِّن انتهاء حكم المنسوخ في أنَّ شرعيتَه كانت إلى هذا الوقت، فلم يكن رفعًا في الحقيقة فلا يرد نقضًا.

قوله (ويوكل من يتصرف فيه).

فإنْ قلت: لا شكّ أنَّ الحكم الثّابت مقصودًا أعلى حالًا مِن الحكم الثّابت ضِمنًا لشيء آخر وتبَعًا له، ولهذا تُرجَّح العبارة على الإشارة وغيرها، وكذلك النّهي الثّابت في ضِمن الأمر يوجب الكَراهة دون الحُرمة، والأَمر الثّابت في ضِمن النّهي يوجِب السُّنة دون الوجوب بخلاف الأمر والنهي المقصودين، فإنهما يثبتان الوجوب والحرمة؛ ثُمَّ ههنا وكالة كلُّ واحد مِن الشريكين من صاحبه ثابتة في ضمن عقد الشّركة، وليس للوكيل الثّابتوكالةً مقصودةً توكيل الآخر، مع علو رتبته لما ذكرنا، فكيف تثبت هذه الولاية للوكيل الثابتة (٤) وكالته في ضمن عقد الشّركة.

قلت: قد قُرِع سمعُك مرارًا بقولهم: كم من شيء يثبت ضمنًا ولا يثبت قصدًا، كبيع الشرب وغيره، فلم يلزم من عدم ثبوته في الوكالة المقصودة عدم ثبوته في الوكالة الضّمنية، بل قد ثَبت لوجود الدليل. وقد دلَّ الدّليل على جواز توكيل الآخر ههنا (٥) وهو أنَّ الوكالة الّتي تتضمنّها الشّركة بمنزلة الوكالة العامّة، ولهذا صحّت مِن غير بيان/ جنس المشترى وصفته، وفي الوكالة العامة للوكيل أنْ يوكِّل غيره، فإنَّه لو قال لوكيله: اعمل برأيك؛ كان له أنْ يوكِّل غيره به، وإنَّما قلنا: إنَّ الوكالة الثَّابتة هنا بمنزلة الوكالة العامّة؛ لأنَّ عقد الشّركة لتحصيل الرّبح، ولا يحصل (٦) إلا بالتّجارة الحاضرة والغائبة، وكلُّ واحد منهما عاجِز عن مباشرة النّوعين بنفسه ولا يجد بُدًّا من أنْ يوكِّل غيره بأحد النّوعين ليحصل مقصودهما، وهو الرّبح، فيصير كلُّ واحد منهما كالإذن لصاحبه في ذلك دلالة. وهذا الذي ذكرنا مِن جواز التّوكيل لغيرهما جواب الاستحسان، وما ذكره من الشّبهة دليل القياس في عدم جواز توكيل الآخَر، كما في الوكالة المقصودة (٧)؛ إلى هذا أشار في المبسوط.


(١) المبسوط للسرخسي (١١/ ١٧٦).
(٢) ينظر البناية شرح الهداية (٧/ ٤٠٧).
(٣) أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، برقم (٢٢٢٣٨) ٣٦/ ٥٧٥.
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي حُسَيْنٌ يَعْنِي ابْنَ وَاقِدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو غَالِبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ".
قال الهيثمي: ورجاله موثوقون. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (٢/ ٢).
(٤) في (ب) "الثابت".
(٥) في (ب) "هنا".
(٦) في (ب) "يحصل الربح".
(٧) ينظر المبسوط للسرخسي (١١/ ١٧٥).